قوله تعالى{وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا}
قال الشيخ الشنقيطي: ظاهر هذه الآية الكريمة بحسب الوضع اللغوي -التخيير بين الكفر والإيمان- ولكن المراد من الآية الكريمة ليس هو التخيير ،وإنما المراد بها التخويف والتهديد .والتهديد بمثل هذه الصيغة التي ظاهرها التخيير أسلوب من أساليب اللغة العربية .والدليل من القرآن العظيم على أن المراد من الآية التهديد والتخويف -أنه أتبع ذلك بقوله:{إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا} وهذا أصرح دليل على أن المراد التهديد والتخويف إذ لو كان التخيير على بابه لما توعد فاعل أحد الطرفين المخير بينهما بهذا العذاب الأليم .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله{فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} ،يقول: من شاء الله له الإيمان آمن ،ومن شاء له الكفر كفر ،وهو قوله{وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين} وليس هذا بإطلاق من الله الكفر لمن شاء ،والإيمان لمن أراد ،وإنما هو تهديد ووعيد .
قال الترمذي: حدثنا أبو كريب ،حدثنا رشدين بن سعد عن عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله{كالمهل} قال: كعكر الزيت ،فإذا قربه إلى وجهه سقطت فروة وجهة فيه .
( السنن4/704ح2581-ك صفة جهنم ،ب ما جاء في صفة شراب أهل النار .وأخرجه الطبري ( التفسير25/132 )عن أبي كريب ،عن رشدين به .ورشدين قد تكلم فيه-كما قال الترمذي عقب هذا الحديث- لكن تابعه عبد الله بن وهب ،أخرجه الحاكم ( المستدرك2/501 ) من طريق هارون بن معروف ،عن ابن وهب ،عن عمرو بن الحارث به ،وزاد فيه: ( ولو أن دلوا من غسلين يهراق في الدنيا لأنتن بأهل الدنيا ) ،قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه .ووافقه الذهبي .وله طريق أخرى عن دراج ،أخرجه الإمام أحمد( المسند3/70-71 )عن حسن عن ابن لهيعة ،عن دراج بمثل لفظ الترمذي ،والحديث بهذا الإسناد حسن إن شاء الله ،حيث قال الحافظ ابن حجر عن دراج صدوق في حديثه عن أبي الهيثم .( التقريب1/235 ) . ويشهد له ما يلي:
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله{كالمهل} ،قال: يقول: أسود كهيئة الزيت .
أخرج آدم بن أبي إياس بسنده الصحيح عن مجاهد{مرتفقا}: أي مجتمعا .