{سُرَادِقُهَا}: السرادق: الخيمة ،أو الدخان المرتفع المحيط بالشيء .
{كَالْمُهْلِ}: كخثارة الزيت .
{مُرْتَفَقًا}: متَّكأً .
المضمون الفكري للإسلام
وهذا خطابٌ للنبي في الإعلان عن المضمون الفكري للإسلام ،في مواجهة المضامين الفكرية الأخرى التي يتبناها دعاة الكفر والضلال ،وتأكيدٌ على حركة الدعوة الحاسمة في ساحة الصراع ،من أجل أن تضع الناس أمام مسؤولياتهم في إثارة التفكير لديهم في مسألة الكفر والإيمان ،من خلال البراهين العلمية والعقلية التي تؤكد الخط الإسلامي وتثبت واقعيته ،لأن دور الدعاة إلى الله يكمن في إثارة التفكير الجادّ أمام علامات الاستفهام التي تطرحها الدعوة في الساحة ،ليؤمن من يؤمن عن بيِّنة ،ويكفر من يكفر عن بيّنة ،فلا يكون للناس حجةٌ على الله ،بل تكون الحجة له عليهم .
دعوة الرسول إلى التزام موقف حاسم من الكفار
{وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ} قل لهؤلاء الناس ،بطريقة حاسمة ،هذا هو الحق من ربكم في العقيدة والشريعة والمنهج ،في ما يريد الإسلام أن يخطط له في حياة الإنسان .قلها ولا تخف ،ولا تتراجع ...مهما أثار الآخرون حولك من تهاويل ومشاكل ،ومهما قدّموا لك من إغراءات .قلها ،كلمةً حاسمةً لا تختفي وراء الأقنعة المتعددة من الكلمات التي تحاول أن تهرب من التصريح بالإسلام ،كوجه للدعوة أو للحركة أو للموقف ،لأنها تخاف من السلبيات الكثيرة المترتبة على ذلك .قلها ،لتؤكدها في وعي الناس وضميرهم ،من موقع الوضوح في الفكرة ،والعمق في الإحساس ،والقوّة في الانتماء ...لئلا يضيع الناس عن الحق ،في ضباب الكلمات ،وتهاويل الأقنعة الملوّنة ،وخيّرهم بين الإيمان والكفر ،لا لتساوي بين الموقفين في النتائج ،على أساس الحرية الفكرية التي تؤكد على الشكل في الممارسة ،بعيداً عن الالتزام بالمضمون ،تماماً كالكثيرين الذين يقدّسون الحرية ويحترمون نتائجها ،على أساس أنها التجسيد العملي لمبدأ الحرية ،الذي لا يلتزم موقفاً معيّناً ،بل يلتزم المضمون الذي يتحرك في دائرته .
مفهوم الإسلام للحرية
إن الإسلام يطرح الحرية ،كموقف إنساني طبيعيّ ،في مواجهته لمسائل الفكر ومواقع العقيدة ،لأن عملية فرض القناعات ليست واردةً في الطبيعة التكوينية للإنسان ،فإن الفكر لا يمكنه الاستسلام لضغط القوّة ،لتفرض عليه قناعاته ،بل هو خاضعٌ لضغط الحجة والدليل والبرهان ،باعتبار أنها التي تحتوي حركته .
ولكن الحرية لا بد من أن تتحرك من مواقع المسؤولية ،التي تثير لدى الإنسان مسألة المصير كعنصرٍ ضاغطٍ على أجواء اللامبالاة التي يعيشها من خلال الروحية اللاهية العابثة الخاضعة لحالة الاسترخاء ،لتضغط عليه كي يواجه المسألة بجدّية ،فيتأمل ويفكّر ويبحث ويحاور ويحدّد قناعته في نهاية المطاف على أساس ذلك كله ،فإنّ هناك فرقاً بين الموقف الذي لا تشعر بالمسؤولية في تقريره ،وبين الموقف الذي تشعر فيه بأنّ النتائج قد تسيء إلى مصيرك .
{فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن} إذا انطلق تفكيره في الخط المستقيم الذي لا بد من أن يقوده إلى الحق الذي لا ريب فيه ،لأنه ينسجم مع الفطرة الإنسانية السليمة .{وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ} إذا استسلم لهواه ،وخضع لضغط تقاليده وعاداته المتخلِّفة ،وشهواته المنحرفة ،ومزاجه المريض ،وتفكيره المعقَّد .إنّ للإنسان الحرية في الاختيار بعد وضوح الحق أمامه ،وعليه أن يتحمل مسؤولية اختياره في جميع النتائج السلبية والإيجابية التي تنتظره .وإذا كان الإسلام يقرر سلبية اختيار الكفر على المصير ،فلأنه لا يراه منطلقاً من حالة فكرية ليبرر للإنسان موقفه فيها ،بل يراه منطلقاً من حالة مزاجية ،لا ترتاح للفكر ،ولا تتحمل متاعبه ،وبذلك تتنكر لكل نتائجه .ولهذا كانت النار مأوى الكافرين ،لأن موقفهم ينطلق من حالة جحود وتمرُّد لا حالة اقتناع وإذعان ،فوسائل الإيمان متوفرة للذين يأخذون بها من أقرب طريق .
{إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} كناية عن إحاطة النار بهم من جميع الجهات ،كما تحيط الخيمة بظلالها كل من هو في داخلها .{وَإِن يَسْتَغِيثُواْ} من شدة العطش ،أو من شدة الحريق الذي يحيط بهم فيطالبون بالماء لإطفاء حرارته{يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَالْمُهْلِ} ،وهو خثارة الزيت ،وهو شديد الاشتعال{يَشْوِي الْوجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَآءتْ مُرْتَفَقًا} أي متكأً ،وذلك كناية عن المصير السيّىء .