الحق بين وكل له جزاؤه
أمر الله تعالى نبيه أن يعلن أنه قد تبين الرشد من الغي ، وبان الحق بأدلته ، فلا بد أن يعرف كل إنسان ما يختار لنفسه فقال:
{ وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا 29} .
أي{ وقل} يا رسول الله مبلغا صادعا بالحق{ وقل الحق من ربكم} ، قد ثبت وقام الدليل عليه من ربكم الذي خلقكم ورباكم ويعرف ما فيه خيركم وصلاحكم ، وما فيه ضلالكم وفسادكم ، وقد بين الحق ، وما بقى إلا أن تتبعوا أو تنحرفوا ،{ فمن شاء فليؤمن} باتباع الطريق السوي ،{ ومن شاء فليكفر} بالابتعاد عن الطريق الأمثل ، وإن الله أعد لكم جزاء ، ثم ذكر سبحانه وتعالى ما أعده للمشركين ، فقال:{ إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها} وصفهم سبحانه بأنهم ظالمون ؛ لأن الشرك ظلم للنفس وظلم للعقل ، مع ظلمات متراكمة من فساد وصد عن سبيل الله تعالى ، و{ أعتدنا} يعنى هيأنا وأعددنا{ نارا أحاط بهم سرادقها} شبه حال الذين يدخلون النار ، وتحيط بهم من كل جانب يكونون في سرادق ويحيط بهم إحاطة الدائرة بقطرها ، أو شبهت النار بسرادق أحاطهم ، وكله نار لا يخرجون من قطر إلا إلى قطر ، وإنهم يكونون في شدة ، والعطش يكوي بطونهم كيا ،{ وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل} ، والمهل هو المصهور من الفلزات ، فإن شديد الحرارة ، وهو{ يشوي الوجوه} شيا ، فهو في حرارة تبلغ درجتها الألوف من أرقام الحرارة وروى أن منه غليظا كردئ الزيت .
هذه جهنم التي تستقبلهم بسبب مجانبتهم الحق ، وانغمارهم في الباطل انغمارا ، وإنها بئس المقام ، وبئس شرابها شرابا ، ولذا قال تعالى:{ بئس الشراب وساءت مرتفقا} ، أي هذا شراب مذموم أشد الذم لأنه يشوي الوجوه إن سكب على الوجوه ، لا يستبرد به ولكن تشوى به ، ويقطع أمعاءهم ، وجهنم ساءت مرتفقا أي ما أسوأها مكانا يرتفق ، فلا اطمئنان ، ولكن نيران ولظى ، هذا جزاء العصاة عبدة الأوثان فهم حقراء الفكر في الدنيا ، ويصلون النار في الآخرة ، وأصل ارتفق اتكأ على المرتفق ، وهو علامة الاطمئنان ولا اطمئنان أبدا .