قول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم:وقل يا محمد للناس:هذا الذي جئتكم به من ربكم هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) هذا من باب التهديد والوعيد الشديد ؛ ولهذا قال:( إنا أعتدنا ) أي:أرصدنا ) للظالمين ) وهم الكافرون بالله ورسوله وكتابه ( نارا أحاط بهم سرادقها ) أي:سورها .
قال الإمام أحمد:حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا دراج ، عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لسرادق النار أربعة جدر ، كثافة كل جدار مسافة أربعين سنة ".
وأخرجه الترمذي في "صفة النار "وابن جرير في تفسيره ، من حديث دراج أبي السمح به
[ وقال ابن جريج:قال ابن عباس:( أحاط بهم سرادقها ) قال:حائط من نار]
وقال ابن جرير:حدثني الحسين بن نصر والعباس بن محمد قالا:حدثنا أبو عاصم ، عن عبد الله بن أمية ، حدثني محمد بن حيي بن يعلى ، عن صفوان بن يعلى ، عن يعلى بن أمية قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"البحر هو جهنم "قال:فقيل له:[ كيف ذلك ؟] فتلا هذه الآية - أو:قرأ هذه الآية -:( نارا أحاط بهم سرادقها ) ثم قال:"والله لا أدخلها أبدا أو:ما دمت حيا - ولا تصيبني منها قطرة ".
وقوله:( وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا ) قال ابن عباس:"المهل ":ماء غليظ مثل دردي الزيت .
وقال مجاهد:هو كالدم والقيح . وقال عكرمة:هو الشيء الذي انتهى حره:وقال آخرون:هو كل شيء أذيب .
وقال قتادة:أذاب ابن مسعود شيئا من الذهب في أخدود ، فلما انماع وأزبد قال:هذا أشبه شيء بالمهل .
وقال الضحاك:ماء جهنم أسود ، وهي سوداء وأهلها سود .
وهذه الأقوال ليس شيء منها ينفي الآخر ، فإن المهل يجمع هذه الأوصاف الرذيلة كلها ، فهو أسود منتن غليظ حار ؛ ولهذا قال:( يشوي الوجوه ) أي:من حره ، إذا أراد الكافر أن يشربه وقربه من وجهه ، شواه حتى يسقط جلد وجهه فيه ، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد بإسناده المتقدم في سرادق النار عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ماء كالمهل ". قال كعكر الزيت فإذا قربه إليه سقطت فروة وجهه فيه "وهكذا رواه الترمذي في "صفة النار "من جامعه ، من حديث رشدين بن سعد عن عمرو بن الحارث ، عن دراج ، به ثم قال:لا نعرفه إلا من حديث "رشدين "، وقد تكلم فيه من قبل حفظه ، هكذا قال ، وقد رواه الإمام أحمد كما تقدم عن حسن الأشيب ، عن ابن لهيعة ، عن دراج ، والله أعلم .
وقال عبد الله بن المبارك ، وبقية بن الوليد ، عن صفوان بن عمرو ، عن عبد الله بن بسر ، عن أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:( ويسقى من ماء صديد يتجرعه ) [ إبراهيم:16 ، 17] قال:"يقرب إليه فيتكرهه ، فإذا قرب منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه ، فإذا شربه قطع أمعاءه ، يقول الله تعالى:( وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب ) .
وقال سعيد بن جبير:إذا جاع أهل النار استغاثوا بشجرة الزقوم ، فأكلوا منها فاختلست جلود وجوههم ، فلو أن مارا مر بهم يعرفهم ، لعرف جلود وجوههم فيها . ثم يصب عليهم العطش فيستغيثون . فيغاثون بماء كالمهل ، وهو الذي قد انتهى حره ، فإذا أدنوه من أفواههم اشتوى من حره لحوم وجوههم التي قد سقطت عنها الجلود .
ولهذا قال تعالى بعد وصفه هذا الشراب بهذه الصفات [ الذميمة] القبيحة:( بئس الشراب ) أي:بئس هذا الشراب كما قال في الآية الأخرى:( وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ) [ محمد:15] وقال تعالى:( تسقى من عين آنية ) [ الغاشية:5] أي حارة ، كما قال:( وبين حميم آن ) [ الرحمن:44]
( وساءت مرتفقا ) [ أي:وساءت النار] منزلا ومقيلا ومجتمعا وموضعا للارتفاق كما قال في الآية الأخرى:( إنها ساءت مستقرا ومقاما ) [ الفرقان:66]