قوله تعالى:{وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا} يأمر الله نبيه محمدا ( ص ) أن يقول للناس ناصحا ومبلغا بأن الحق إنما هو من عند الله وحده .
والمراد ههنا القرآن ،أو الإسلام ؛فإنه الحق ؛فهو الدين الرباني المتكامل الذي لا يعتريه خلل ولا ضعف ولا تشويه شائبة من عيوب البشر ونقائصهم .والذي ينطوي في مضمونه ومعناه على كل أسباب الخير والسعادة والنجاة للبشرية ،سواء فيه العقيدة الراسخة المكينة السمحة ،أو التشريع الكبير الواسع الذي يفضّ كل النزاعات ويتناول كل القضايا والمشكلات ،ويقرر في واقع البشر كل ظواهر الأخوة والمودة والرحمة ليعيش الناس في كل زمان إخوانا متحابين متعاونين .
قوله: ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) والمراد من ذلك الوعيد والتهديد ؛أي قد أبلغتكم دعوة ربكم وهو الحق الذي لا ريب فيه .فإن آمنتم فلسوف يُصار بكم إلى النجاة .وإن كفرتم وأدبرتم فما مصيركم إلا إلى الجحيم والهوان .
قوله: ( إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها ) السرادق ،معناه السور من نار .وذلك تهديد رعيب من الله للمشركين الخاسرين الذين يجحدون بآيات الله أو يصدون عن دينه صدا .أولئك ( اعتدنا ) أي أعددنا لهم النار وقد أحاط بهم سورها ؛فهم غائرون في العذاب البئيس ؛إذ تغشاهم النار فتلفح وجوههم وأبدانهم ويحيط بهم سورها الحارق المطبق من كل مكان ،فلا يجد حينئذ مناصا ولا موئلا .وذلك لون من ألوان التعذيب الفظيع الذي يغشى المجرمين يوم القيامة .
( وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه ) المهل ،معناه النحاس المذاب .وقيل: دردي الزيت{[2805]} .وقيل: ماء أسود منتن غليظ بالغ الحرارة .والمعنى: أن هؤلاء المعذبين في النار لفرط ما يصيبهم من العطاش الشديد يطلبون الماء ليشربوا ،فيسقون ماء شديد الحرارة كالمهل وهو ماء النار ،وماؤها أسود غليظ فظيع الحرارة ،كلما أدنوه من أفواههم ليشربوا سقطت جلدة وجوههم .
وهذا لون ثان من ألوان التعذيب الحارق الذي يشقى فيه الظالمون الخاسرون يوم القيامة ( بئس الشراب وساءت مرتفقا ) أي بئس هذا الشراب الذي يغاث به هؤلاء الظالمون في جهنم .( وساءت ) هذه النار ( مرتفقا ) أي ساءت متكئا ومنزلا ومقيلا{[2806]} نسأل الله العافية والسلامة والنجاة .