قوله تعالى:{ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى مالا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب}
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله:{بطرا ورئاء الناس} قال: أبو جهل وأصحابه يوم بدر .وأخرجه بنحوه بسند صحيح عن قتادة .
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن الشيطان غر الكفار ،وخدعهم ،وقال لهم: لا غالب لكم وأنا جار لكم .وذكر المفسرون: أنه تمثل لهم في صورة ( سراقة بن مالك بن جعشم ) سيد بني مدلج بن بكر بن كنانة ،وقال لهم ما ذكر الله عنه ،وأنه مجيرهم من بني كنانة ،وكانت بينهم عداوة{فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه} عندما رأى الملائكة وقال لهم{إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون} فكان حاصل أمره أنه غرهم ،وخدعهم حتى أوردهم الهلاك ،ثم تبرأ منهم .وهذه هي عادة الشيطان مع الإنسان كما بينه تعالى في آيات كثيرة ؛كقوله{كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك} الآية .وقوله{وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم} إلى قوله{إني كفرت بما أشركتمون من قبل} .وكقوله{يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا} .
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين ،معه رايته في صورة رجل من بني مدلج ،والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ،فقال الشيطان للمشركين:{لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم} فلما اصطفّ الناس ،أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من التراب فرمى بها في وجوه المشركين ،فولوا مدبرين .وأقبل جبريل إلى إبليس ،فلما رآه ،وكانت يده في يد رجل من المشركين ،انتزع إبليس يده فولى مدبرا هو وشيعته فقال الرجل: يا سراقة ،تزعم أنك لنا جار ؟قال:{إنّي أرَى ما لا تَرَوْنَ إنّي أخافُ اللّهُ وَاللّهُ شَدِيدُ العِقابِ} ،وذلك حين رأى الملائكة .