بعد أن أمر الله تعالى عباده المؤمنين بما أمر به من جلائل الصفات وأحاسن الأعمال ، التي جرت سنته بأن تكون سبب الظفر في القتال ، ونهاهم عن التنازعنهاهم عما كان عليه خصومهم من مشركي مكة حين خرجوا لحماية العير من الصفات الرديئة ، وذكر لهم بعض أحوالهم القبيحة فقال:{ ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط ( 47 )} .
ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس} البطر كالأشر وهما مصدر بطر وأشر ( كفرح ) ضرب من إظهار الفخر والاستعلاء بنعمة القوة أو الغنى أو الرياسة يعرف في الحركات المتكلفة والكلام الشاذويفسر اللغويون أحدهما بالآخروقال الراغب:البطر دهش يعتري الإنسان من سوء احتمال النعمة وقلة القيام بحقها ، وصرفها إلى غير وجههاثم قالويقارب البطر الطرب وهو خفة أكثر ما يعتري من الفرح ، وقد يقال ذلك في الترح اه .والرئاء مصدر رأى زيد عمرا ورأى الناس مرآة ورئاءوتقلب الهمزة ياء فيقال رياء كأمثالهوهو بناء مشاركة من الرؤية ، والمراد منه أن يعمل المرء ما يحب أن يراه الناس منه ويثنوا عليه ويعجبوا به وإن كان تلبيسا ظاهره غير باطنه .وقال بعضهم هو إظهار الحسن وإخفاء القبيح أي لأجل الثناء والإعجاب .
والمعنى:امتثلوا ما أمرتم به من الفضائل ، وانتهوا عما نهيتم من الرذائل ، ولا تكونوا كأعدائكم المشركين الذين خرجوا من ديارهم في مكة وغيرها من الأماكن التي استنفرهم منها أبو سفيانبطرين بما أوتوا من قوة ونعم لم يستحقوها ، أو كفروا نعمة اللهمرائين للناس بها ، ليعجبوا بهم ويثنوا عليهم بالغنى والقوة والشجاعة والمنعة{ ويصدون عن سبيل الله} أي والحال أنهم يصدون بخروجهم عن سبيل الله وهو الإسلام بحمل الناس على عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم والإعراض عن تبليغ دعوته وتعذيب من أجابها إذا لم يكن لهم من يمنعهم ويحميهم من قرابة أو حلف أو جوار{ والله بما يعملون محيط} علما وسلطانا فهو يجازيهم عليه في الدنيا والآخرة بمقتضى سنته في ترتيب الجزاء على صفات النفس .
قال البغوي في تفسير الآية من معالم التنزيل:نزلت في المشركين حين أقبلوا إلى بدر ، ولهم بغي وفخر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادّك وتكذب رسولك ، اللهم فنصرك الذي وعدتني ) قالوا ولما رأى أبو سفيان أنه قد أحرز عيره أرسل إلى قريش:إنكم إنما خرجتم لتمنعوا غيركم فقد نجاها الله فارجعوا .فقال أبو جهل والله لن نرجع حتى نرد بدراوكان موسما من مواسم العرب يجتمع لهم بها سوق كل عامفنقيم ثلاثا فننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبدا .فوافوها فسقوا كؤوس المنايا مكان الخمر ، وناحت عليهم النوائح مكان القيان .فنهى الله عباده المؤمنين أن يكونوا مثلهم ، وأمرهم بإخلاص النية والحسبة في نصر دينه ومؤازرة نبيه صلى الله عليه وسلم اه .