المفردات:
بطرا: طغيانا وتجبرا – والبطر في اللغة: الفخر والاستعلاء بنعمة الغنى أو الرياسة أو غيرهما ،يعرف في الحركات المتكلفة والكلام الشاذ .
رئاء الناس: مرائين الناس .والرياء والمراءاة: إظهار العمل ؛رغبة في ثناء الناس والإعجاب به وهو محبط للأعمال الأخروية .
47 –{ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط} .
تستمر هذه الآية فتكمل مع ما سبقها أسباب النصر وهي في جملتها: البعد عن البطر والكبر والرياء ،وعن التعالي على عباد الله ويتبع ذلك الغرور وجنون العظمة ،ثم منع الناس من الهدى ومن طريق الله وهو طريق الحق والخير ،مع أنه تعالى محيط بما يعملون ،ومطلع على نياتهم وسوف يحاسبهم على ذلك .
سبب النزول:
أخرج ابن جرير الطبري عن محمد بن كعب القرظي ،قال: لما خرجت قريش من مكة إلى بدر خرجوا بالقيان والدفوف ؛فأنزل الله:{ولا تكونوا ....} الآية .
وقال البغوي في تفسيره:
نزلت في المشركين حين أقبلوا إلى بدر ،ولهم بغي وفخر ؛فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اللهم ،هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك ،وتكذب رسولك ،اللهم ،فنصرك الذي وعدتني "xxxviii .
قالوا: ولما رأى أبو سفيان أنه قد أحرز عيره ؛أرسل إلى قريش: إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم ،فقد نجاها الله ،فارجعوا ،فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نرد بدرا – وكان موسما من مواسم العرب يجتمع لهم بها سوق كل عام – فنقيم ثلاثا ،فننحر الجزور ،ونطعم الطعام ،ونسقي الخمر ،وتعزف علينا القيان ،وتسمع بنا العرب ،فلا يزالون يهابوننا أبدا ،فوافوها فسقوا كؤوس المنايا مكان الخمر ،وناحت عليهم النوائح مكان القيان .فنهى الله عباده أن يكونوا مثلهم ،وأمرهم بإخلاص النية ،والحسبة في نصر دينه ومؤازرة رسوله صلى الله عليه وسلم .
ما ترشد إليه الآيات
تأمر الآيات بقواعد حربية ،هي عمد ثوابت في نظام الحروب ،ولا يمكن لجيش قديم أو حديث أن يتخلى عن هذه النصائح التي تكون سببا في إحراز النصر والغلبة وهذه القواعد والنصائح هي ما يأتي:
1 – الثبات عند اللقاء والرغبة في الشهادة والأجر من الله .
2 – ذكر الله تعالى ذكرا كثيرا والالتجاء إليه بصدق النية مثل قول أصحاب طالوت:{ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين}( البقرة: 250 ) .
3 – طاعة الله ورسوله ،في امتثال الأوامر واجتناب النواهي ،وكذلك طاعة القائد وامتثال أوامره .
4 – الصبر والتحمل ،فهو طريق الظفر: والله مع الصابرين .
5 – البعد عن البطر( وهو الفخر والاستعلاء والتكبر ) .
6 – البعد عن التشبه بالكافرين الذين يصدون الناس عن سبيل الله ،ويمنعونهم في طريق الهدى والرشاد .
7 – الثقة بأن الله محيط وعالم بكل ما يعمل الإنسان ،وسيجازيه على ذلك ،فيخلص العبد النية ،وعليه بالتقرب إلى مولاه ،مع التواضع والانكسار بدلا من الرياء والافتخار .