المفردات:
ولا تنازعوا: ولا تختلفوا .
تفشلوا: تجنبوا وتضعفوا .والفشل في الأصل: الخيبة والنكول عن إمضاء الأمر وأكثر أسبابه: الضعف والجبن ولذلك فسروه هنا بهما .
تذهب ريحكم: تذهب قوتكم .
46 –{وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} .
هذه الآية معطوفة على ما قبلها ،حيث يرسم الحق سبحانه لعباده المؤمنين طريق النصر ،فأمرهم بالثبات وبذكر الله تعالى ،في الآية السابقة .
وعطف هذه الآية على ما سبق ،فأمرهم بطاعة الله ورسوله ،والتزام أوامرهما ،والابتعاد عما نهى الله ورسوله عنه .
وطاعة الله باب من أبواب السعادة الدنيوية والأخروية ،فمن وجد الله ؛وجد كل شيء ،ومن فقد الله ؛فقد كل شيء .وقد روى البخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله عز وجل:
"ما تقرب عبدي إلى بشيء أحب إلي من أداء ما افترضته عليه ،ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه .فإذا أحببته ؛كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ،ورجله التي يمشي عليها ،ولئن دعاني ؛لأجيبنّه ،ولئن سألني ؛لأعطينه "xxxvi .
النزاع
تنهى الآية عن التنازع والاختلاف ،وعندما تختلف طوائف الأمة ،ويحاول كل طرف أن ينزع ما في يد الطرف الآخر ؛يأتي باب الفشل والإحباط والاصطدام ،فتنحط الدولة ،وتذهب ريحها ،وهو كناية عن دوال دولتها ،واضمحلال أمرها .
ومن كلام العرب: هبت ريح فلان ؛إذا دالت له الدولة ،وجرى أمره على ما يريد ؛وركدت ريح فلان ؛إذا ولت عنه وأدبر أمره .قال الشاعر:
إذا هبت رياحك فاغتنمها *** فإن لكل خافقة سكون
ولا تغفل عن الإحسان فيها*** فما تدري السكون متى يكون ؟
ثم تأمر الآية بالصبر ؛فالصبر طريق الظفر ،وقد ذكر الصبر في القرآن الكريم في أكثر من سبعين موضعا .والصبر من المؤمن بمنزلة الرأس من الجسد ،من لا صبر له ؛لا إيمان له ،ومن لا رأس له ؛لا جسد له .قال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} . ( آل عمران: 200 ) .
ويكفي أن الله وعد الصابرين بأن يكون معهم بالعون والتأييد والنصر ؛فقال سبحانه:{إن الله مع الصابرين} .
وبذلك ترى أن الله تعالى يعلّم عباده المؤمنين السبيل إلى النصر ؛فيأمرهم بما يأتي:
1 – الثبات عند اللقاء .
2 - ذكر الله ذكرا كثيرا في شدة البأساء .
3 – طاعة الله ورسوله .
4 – البعد عن التنازع والاختلاف .
5 – الصبر ،وإعداد العدة ،والتضحية بالنفس والمال .
وهي في جملتها عوامل أساسية في ترابط بنيان الأمة ،وقوة شأنها ،وانتصارها على أعدائها .
قال الإمام ابن كثير في تفسيره لهاتين الآيتين ما يأتي:
وقد كان للصحابة رضي الله عنهم في باب الشجاعة ،والائتمار بما أمرهم الله ورسوله ،وامتثال ما أرشدهم إليه ،ما لم يكن لأحد من الأمم والقرون قبلهم ،ولا يكون لأحد ممن بعدهم ،فإنهم ببركة الرسول وطاعته فيما أمرهم ،فتحوا القلوب والأقاليم شرقا وغربا في المدة اليسيرة ،مع قلة عددهم بالنسبة إلى جيوش سائر الأقاليم ،من الروم والفرس ،والترك والصقالبة والبربر ،والحبوش ،وأصناف السودان ،والقبط وطوائف بني آدم ؛قهروا الجميع حتى علت كلمة الله ،وظهر دينه على سائر الأديان ،وامتدت الممالك الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها ،في أقل من ثلاثين سنة ،فرضي الله عنهم وأرضاهم ،وحشرنا في زمرتهم ،إنه كريم وهابxxxvii .