وإن طاعة القائد والاتحاد أولى دعائم النصر ؛ ولذا قال عز من قائل:
{ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} .
إن الله سبحانه وتعالى يأمر بطاعته ورسوله في هذه الحرب التي أمر الله تعالى فيها بالثبات وذكر الله كثيرا ، والأمر بطاعة الرسول في الحرب أمر بطاعة القائد ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الحروب التي قامت في عهده كان هو القائد ، وطاعة القائد واجبة لأنه المنظم ، وإذا كان ذلك وواقعة أحد التي خولف فيها القائد فكانت القتلة في المسلمين ، وإن لم يكن الانهزام كما تصور بعض الأقلام ، فيكون ذلك من الله تنبيها لما يقع ، وهو علام الغيوب ، وإن طاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الحروب هو بكونه قائدا فيكون أمرا بطاعة القائد ، فإن طاعته إذا كان دربه مخلصا من أسباب الانتصار .
وطاعة الله هي لب الاستقامة ، وطهارة القلوب ، وهي التي تكون بها قوة الإيمان ، وقوة الإيمان دعامة الانتصار ، وهي قوة الجهاد ، ودعامة الصبر ، وتلك عناصر الجهاد الحق في سبيل الله تعالى .
وذكر تعالى بعد الأمر بطاعته – ورسوله – النهي عن التنازع ، والنهي عن التنازع يكون أولا بالنهي عن الخلاف ، فإن الحلاف يؤدي إلى النزاع ، والنزاع يؤدي إلى التنابذ والتدابر ، وأن يكون كل فريق جمعا منفصلا عن الآخر ، ويكون بأسهم بينهم شديدا ، وإن الأثر الواضح للتنازع هو الفشل ، ولذا قال تعالى:{ فتفشلوا} الفاء للسببية تدل على أن ما بعدها سبب لما قبلها ، أي أنه بسبب ذلك التنازع يكون الفشل ، والفشل هو العجز ، بحيث كان النزاع كان العجز عن عمل جماعي ؛ لأن العمل الجماعي يجب أن تتضافر فيه القوى ، ويكون كل جزء من الجماعة متعاونا مع الجزء الآخر ، فتتحدى القوى ، وتتلاقى نحو هدف معين يجمعها .
وإنه وراء الفشل ذهاب القوة ، ويطمع فيهم الطامعون ؛ ولذا قال تعالى:{ وتذهب ريحكم} أي قوتكم ، ويفسر الزمخشري الريح بالدولة ، ويقول رضي الله تعالى عنه:( والريح الدولة شبهت في نفوذ أمرها وتمشيه بالريح وهبوبها ) ، فيقال:هبت رياح بني فلان إذا دالت له الدولة ونفذ أمره ، ومنه قوله:
يا صاحبي ألا لا حي بالوادي إلا عبيدا قعود بين أزراد ( 1 ){[1179]}
أتنظران قليلا ريث عقلهم أم تعدوان فإن الريح للعادي
ولقد قال قتادة لم يكن نصرا إلا بريح يبعثها ، وكان ذلك مناسبا فيكون الفشل فيه ذهاب للريح التي تكون القوة ، ولقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:( نصرت بالصبا وأهلكت عادا بالدبور ) ( 2 ){[1180]} .
حذرهم الله تعالى من ثلاثة أمور أولها:مخالفة الله ورسوله بالعمل بغير أمر الله ونهيه ، والثاني:من مخالفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم القائد ، ومخالفة كل قائد رشيد ، والأمر الثالث:من التنازع ، فإن الاختلاف مضيعة الجيوش ، ومهلكة الأمم .
وقد ختم الله سبحانه وتعالى الآية بقوله تعالى:{ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} ، وفي هذا النص الكريم يدعو الله تعالى إلى الصبر ؛ لأنه قوة الجهاد ، وقوة الطاعة ، ويربي العزيمة ، وبمنع الاختلاف ، إذ إن الاختلاف ينشأ عن الجزع أو عن الطمع ، والصبر علاج الجزع والطمع معا ؛ إذ الجزع ضعف في الإرادات وخور في العزيمة ، والطمع يتنافى مع ضبط النفس لا يكون إلا مع الصابرين ، والله تعالى مع الصابرين .
وقد رفع الله تعالى الصابرين إلى أعلى المراتب عند الله ، فذكر أنه سبحانه في آية أخرى أنه يحب الصابرين ، والحب أعلى من الرضوان ؛ لأنه يتضمن رضا الله وأكثر منه ، وهو أن يكون محبوبا عند الله ؛ لأن الصبر تحمل المشقة في طاعة الله ، وقد أكد الله محبته للصابرين بالجملة الاسمية وب ( إن ) المؤكدة ، وبفعل المضارع الدال على تجدد المحبة كلما صبروا ، وإن محبة الله – تعالى – غاية المؤمنين الصادقين .