قوله تعالى:{وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين 37 أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين} .
أي ما كان ينبغي لهذا القرآن يتخرصه أو ينتحله أحد من المخاليق ،سواء فيهم الجن والإنس أو الملائكة ؛فهذا القرآن لا يقوي على معارضته والإتيان بمثله أحد ،لأنه معجز تمام الإعجاز بكل ما تعنيه كلمة الإعجاز من معنى ؛فهو في روعة أسلوبه وسمو مستواه معجز .وهو في حلاوة نغمة وجمال إيقاعه وجرسه معجز .وهو في بالغ إيجازه واتساق مبناه وعظيم معناه معجز .لا جرم أن القرآن في كل أوصافه هذه معجز ،مثلما هو معجز في عجيب مضامينه وما حواه من مختلف المعاني والأخبار والأحكام والدلائل والمشاهد والقصص .كل ذلك في كتاب دون الوسط في حجمه وسعته .وذلكم العجاب الباهر الذي يستوقف الحس والبصر ويثير الغرابة والنظر!كتاب دون الوسط في حجمه وسعته قد حوى أخبار الدنيا والآخرة وأخبار الأولين والآخرين .وشمل عموم العلوم والفنون والمعارف في مختلف قضايا العقيدة والتشريع والأخلاق والتاريخ والحكمة والسلوك والبلاغة ،وغير ذلك من علوم الطبيعة والأحياء والفلك .
فأنى لكتاب دون الوسط في حجمه وسعته أن يتسع لكل هاتيك القضايا العلمية والفقهية والتربوية والفكرية والكونية لولا أنه معجز وأنه من عند الله ؟!
إن ما حواه القرآن من علوم في الحياة وفي الدين والدنيا ولا تتسع لاحتوائه ملايين المجلدات والكتب .لكن القرآن بإيجازه الفذ قد اتسع لعامة العلوم على اختلاف فنونها ومناحيها .وذلك بأسلوبه الباهر الخلاب ،الذي يروع الفؤاد والجنان ،ويستثير الحس والذهن والوجدان ؛ذلكم هو الكلام الرباني المعجز ،ذلكم هو القرآن .
قوله:{وما كان القرآن أن يفترى من دون الله} أي ما ينبغي لهذا القرآن المعجز أن يتخرصه أو يختلقه كائن أو مخلوق .وإنما أنزل هذا القرآن من عند الله ،أنزله على عبده ورسوله النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم .قوله:{ولاكن تصديق الذي بين يديه}{تصديق} منصوب ؛لأنه خبر كان المقدرة .والتقدير: ولكن كان هو تصديق الذي بين يديه{[1982]} ؛أي أنزل الله القرآن على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم مصدقا لما قبله من الكتب المنزلة على أنبياء الله كالتوراة والإنجيل والزبور وغير ذلك من كتب الله .فقد بشرت هذه الكتب السابقة بمجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛فكان مجيئه وما أنزل عليه من كتاب الله الحكيم تصديقا لتلك الكتب في هذه البشارة .وهو كذلك تصديق لها فيما تضمنته من الدعوة للتوحيد والإيمان بيوم القيامة .
قوله:{وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين} تفصيل ،معناه تبيين .والكتاب اسم جنس ،وهو يراد به الكتب السماوية المتقدمة ؛أي جاء هذا القرآن تبيينا لما في الكتب المتقدمة مما حوته من فروض وشرائع .وقيل: تبيين ما كتب أو فرض من الأحكام والشرائع مما في القرآن نفسه .فيكون المراد بالكتاب القرآن .
قوله:{لا ريب فيه من رب العالمين} الهاء عائدة على القرآن ؛أي ريب ولا مرية في أن هذا القرآن منزل من عند الله رب العالمين .