قوله تعالى:{ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضى بينهم بالقسط وهم لا يظلمون} أي ولو أن لكل نفس كفرت بالله أو أشركت به غيره من الآلهة والأنداد ،ما في الأرض من المال والملك والنفائس والذخائر{لافتدت به} أي لجعلته فدية لها من العذاب فتنجو بنفسها مما حل بها .ومثل هذه الأمنية ليس إلا ضربا من الحلم الشاطح يراود المجرمين الخاسرين يوم القيامة وهم تحيط بهم كل ظواهر اليأس والذعر والوجل وانخلاع القلوب ؛فلا يغنيهم من عذاب الله حينئذ مال ولا سلطان ولا غير ذلك من مفاخر الدنيا .
قوله:{وأسروا الندامة لما رأوا العذاب} أي أخفى رؤساء المشركين والخاسرين ندامتهم عن أتباعهم من الوضعاء والسفلة والرعاع إحساسا بالخزي والافتضاح والمعرة أمامهم ،وكيلا يوبخهم ؛لأنهم أضلوها .وهذا إذا أيقنوا أن عذاب الله واقع وقبل أن يكبكبوا في النار ؛فهم قبل الكبكبة والاصطلاء والتحريق قد بقي فيهم بقية من القدرة على التصنع والمكابرة يكشف عنها استسرارهم الندامة في أنفسهم وإخفاؤها عن أتباعهم الرعاع .حتى إذا سقطوا في النار جميعا ذهب التصنع والمكابرة وغاروا في الإياس والندامة وخواء القلوب .
قوله:{وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون} أي قضي الله بين هؤلاء الرؤساء من الكافرين وأتباعهم بالعدل{وهم لا يظلمون} الجملة في محل نصب حال ؛فالله لا يظلم أحدا مثقال ذرة .فما جوزوا به من العذاب كان سببه ما كسبوه من الكفر والمعاصي{[1998]} .