/م46
{ ولَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ} أي لو أن لكل نفس تلبست بهذا الظلم جميع ما في الأرض من أنواع الملك والزينة وصنوف النعيم ، وأمكنها أن تفتدي به -أي تجعله فداء لها- من ذلك العذاب -الذي قيل لهم ذوقوه ينقذها منه بذلها له- لافتدت به كله لا تدخر منه شيئا .
{ وأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ} إسرار الشيء إخفاؤه وكتمانه ، وإسرار الحديث والكلام خفض الصوت به ، فهو ضد إعلانه والجهر به ومنه{ وأسروا قولكم أو اجهروا به} [ الملك:13]{ إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون} [ الأنبياء:110] ، واستعمل بمعنى الجهر مطلقا فهو ضد ، وأنكره بعضهم ، والندم والندامة ما يجده الإنسان في نفسه من الألم والحسرة عقب كل فعل يظهر له ضرره ، وقد يجهر به بالكلام كقوله:"يا حسرتا على ما فرطت "، أو بالتوبة والاستغفار ، وقد يخفيه ويكتمه لعدم الفائدة من إعلانه ، أو اتقاء للشماتة ، أو الإهانة به ، أي وأسر أولئك الذين ظلموا ندامتهم وحسرتهم فيما بينهم وبين ربهم ، أو كتموها في قلوبهم .
{ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ} أي رأوا مباديه عيانا بأبصارهم لما برزت الجحيم وأيقنوا أنهم مواقعوها لا مصرف لهم عنها ، وقد يعبر برؤيته عن وقوعه ، والظاهر الأول لقوله:{ وقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ} أي وقضى الله بينهم وبين خصومهمبالعدل والحق ، فإذا أريد بالظلم الكفر والتكذيب ولا يلزمه من الإيذاء فخصومهم الرسل والمؤمنون بهم ، وكذا من أضلوهم وظلموهم من المرءوسين والضعفاء الذين كانوا يغرونهم بالكفر ، ويصدونهم عن الإيمان ، وهو ظاهر السياق هنا ، وفي سورة سبأ بعد حكاية مجادلة الظالمين والمظلومين يوم القيامة{ وأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [ سبأ:33] ، وإن أريد بالظلم ما يعم ظلمهم للناس في الأحكام وهضم الحقوق كان كل مظلوم خصما لظالمه .
{ وهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} أي لا يظلمهم الله كما ظلموا أنفسهم وظلموا أتباعهم ومقلديهم ، بل هم الذين ظلموا أنفسهم وظلموا غيرهم .والآيات في ندم الظالمين يوم القيامة معروفة كقوله تعالى في آخر سورة النبأ:{ إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ويَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [ النبأ:78] وقوله:{ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا ويْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا} [ الفرقان:2728] وغير ذلك .