/م46
ثم قفى على ذلك بالدليل على قدرته على إنفاذ حكمه وإنجاز وعده ، وكون هؤلاء الظالمين لا يعجزونه ، ولا يستطيعون الافتداء من عذابه ، فقال:{ أَلا إِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاواتِ والأَرْضِ} قلنا مرارا إن السماوات والأرض عبارة عن جميع العالم ، وهو تعالى مالك السماوات والأرض وملكهما ، وله كل من فيهما من العقلاء ، وما فيهما من غير العقلاء ، وقد نطقت الآيات بهذا كله ، ولكل مقام مقال ، فهاهنا غلب غير العقلاء بمناسبة ما في الآية السابقة من الإشارة إلى غرور الكافرين والظالمين بما كانوا يمتعون به ، وتعذر الافتداء بشيء منه ، وسيأتي تغليب العقلاء في الآية 66 من هذه السورة لاقتضاء المناسبة له .وصدر الجملة بحرف التنبيه"ألا "الذي يفتتح به الكلام لتنبيه الغافلين عن هذه الحقيقة ، وإن كانوا يعرفونها لكثرة ذهول الناس عن تذكر أمثالها ، والمعنى ليتذكر الناسي ، وليتنبه الغافل ، وليعلم الجاهل ، أن لله وحده ما في العوالم العلوية .عالم الأرض يتصرف فيها حيث يشاء ، فيعطي من يشاء ويمنع من يشاء ، ويرحم من يشاء ويعذب من يشاء ، ولا يملك أحد من دونه شيئا من التصرف والفداء ، في يوم البعث والجزاء .
{ أَلاَ إِنَّ وعْدَ اللّهِ حَقٌّ} أعاد فيه حرف التنبيه تأكيدا وتذكيرا لتمييزه بهذا التنبيه عما سبقه ؛ لأنه المقصود هنا بذاته ، وإنما ذكر قبله للاستدلال عليه ، أي كل ما وعد به على لسان رسله حق واقع لا ريب فيه ، لأنه وعد المالك القادر على إنجاز ما وعد ، لا يعجزه منه شيء .
{ ولَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} يعني بأكثرهم منكري البعث والجزاء ، أي لا يعلمون أمر الآخرة من طريق النظر والاستدلال ، ولا من طريق الإيمان بما جاء به الرسل عليهم السلام .