قوله تعالى:{فلولا كانت قرية آمنت فنفعهم إيمانهم إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين} لولا أداة تحضيض .{قوم يونس} ،منصوب من وجهين .أحدهما: استثناء منقطع .والثاني: أن يكون منصوبا على الاستثناء غر المنقطع بأن يقدر في الكلام حذف مضاف ،تقدير: فلولا كان أهل القرية آمنوا إلا قوم يونس .ورفعه بعضهم على البدل{[2034]} والمعنى: هلا كانت قرية من الأمم السابقة آمنت بكاملها!بل إنه ما أرسلنا من رسول في السابقين إلا كذبه قومه أو أكثرهم .ويدل على ذلك قوله سبحانه{يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون} وقوله عز وعلا:{كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون} والمقصود: انه ليس ثمة قرية من الأمم السابقة آمن بكاملها إلا قوم يونس ؛فقد نفعهم إيمانهم بعد نزول العقاب بهم .فاستثناهم الله من أهل القرى الذين لم ينفعهم إيمانهم بعد أن نزل العذاب بساحتهم .وهو قوله:{إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم العذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين} فقد أرسل الله إليهم يونس بن متي عليه السلام يدعوهم إلى التوحيد وطاعة الله وحده دون ما يعبدونه من أوثان فأبوا ،وذلك في نينوي من أرض الموصل ،فذهب عنهم مغاضبا ،فلما فقدوه خافوا أن يزول بهم العذاب ،فلبسوا المسوح وعجوا{[2035]} أربعين ليلة .وقيل: قال لهم يونس:إن أجلكم أربون ليلة .فقالوا: إن رأينا أسباب الهلاك آمنا بك .فلما مضت خمس وثلاثون أغامت السماء غيما أسود هائلا ثم يهبط حتى يغشى مدينتهم ويسود سطوحهم ،فلبسوا المسوح ،وبرزوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم ،وفرقوا بين النساء والصبيان ،وبين الدواب وأولادها ،فحن بعضها على بعض ،وعلت الأصوات والعجيج ،وأظهروا الإيمان والتوبة ،وتضرعوا فرحمهم الله وكشف عنهم عذاب الذل والهوان ،وكان يوم عاشوراء يوم الجمعة .
وبذلك لم يعاجلهم الله بالعقاب ؛بل تركهم يتمتعون في حياتهم الدنيا إلى حين مماتهم وانقضاء أعمارهم{[2036]} .