{ فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين 98} .
عندما أدرك فرعون الغرق قال:{ آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل} كان ذلك بعد أن سبقته الأحداث ولم تعد له توبة ، وقد قص الله تعالى أمر قوم يونس وقد أجدى فيهم الإنذار وصدقوا رسولهم وهم على اختيار من أمرهم .
{ فلولا كانت قرية آمنت} كلمة( لولا ) للحض على الإيمان مع ذكر أثره ، والقرية هي المدينة العظيمة التي يجتمع فيها الناس ،{ فنفعها إيمانها} طهر نفوسها ومنع أهلها من الظلم وقربهم من ربهم ، وجواب لولا محذوف إذا قلنا إنها شرطية ، كقوله تعالى:{. . . .لولا أنتم لكنا مؤمنين 31} ( سبأ ) ، ودل عليه أو قام مقامه فنفعها إيمانها . وإذا قلنا إنها لمجرد الحض على الإيمان فإنها لا تحتاج إلى جواب ، ومهما يكن فالكلمات{ فنفعها إيمانها} . بيان لأثر الإيمان وهو أن النفوس تتطهر وتقترب إلى الله تعالى ويكون لها الثواب والنعيم المقيم ، ونفع الإيمان أيضا كان في سعة من الوقت وليس كإيمان فرعون .
{ إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين} الاستثناء منقطع بمعنى لكن ، وفيه بيان نفع الإيمان ، والمعنى ألا كانت قرية آمنت فنعها إيمانها ، لكن قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي ، وجوزالنحويون ان يكونالاستثناء متصلا ؛ لأن كلمة( لولا ) حرف امتناع تدل في مضمونها على النفي فيكون المضمون- ما قرية آمنت فنفعها إيمانها ، إلا قوم يونس فإنهم آمنوا وقت السعة والاختيار فنفعهم إيمانهم ، وذلك كقوله تعالى:{ لما آمنوا كشفنا عنهم} أي حين آمنوا مختارين أزلنا عنهم ، وعبر بكلمة{ كشفنا} إشارة إلى أن الخزي غمة وهلاك فإزالته كشف للغمة ومنع لها ، وأبقيناها ممتعين مرهفين في الحلال إلى حين قضاء أجلهم . وقد روى أن يونس –عليه السلام- قد بعث نبينا في مدينة "نينوى"من الموصل وكانت مدينة عظيمة ، وقصة الآشوريين في حكمهم- وهي مدينة قديمة دأب أهلها على تحصينها ، وقويت شوكة حكامها حتى خضع لهم الكثير من ممالك آسيا ، والملك الواسع يوصي بالتجبر كما كان من آل فرعون ، وقد أغار قوم يونس كثيرا على من جاورهم ، وكلما أغاروا أكثروا الفساد وسلبوا ونهبوا وارتكبوا الكثير من المظالم ، أنذرهم يونس بالعذاب ينزل بهم لا محالة ، وهم يعلمونه صادقا أمينا فيهم فلم يعبأوا ابتداء ، ويروى أنه أخبرهم أن العذاب نازل بهم بعد أربعين ليلة فقالوا في أنفسهم لو بقي فينا فنحن في أمن وإن غادرنا لا نكون آمنين ، لكنه غاب عنهم فقذف الله في قلوبهم الرعب وفي قلب أميرهم الإيمان ، ورأوا مقدمات العذاب تقترب منهم وتغشاهم وغامت السماء غيما أسود ، فآمنوا واستغفروا وأنابوا إلى ربهم .
وإن هذا المثل يضرب بعد فرعون الذي آمن بعد فوات الأوان ، وهو مثل لإدراك قوم يونس بعد أن غشيهم ما جعلهم يتوقعون ما أنذروا به فسارعوا بالنجاة وأزالوا آثار ما اقترفوا .