{ ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين 99} .
إن كفر من كفر وهداية من اهتدى يكون بتقدير الله تعالى في كتابه المكنون .
كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على إيمان قومه ومن بعث إليهم جميعا ؛ لأن الحجة قائمة والحق بين والهدى مرشد ، فيبين الله تعالى له أنه سبحانه لو شاء لهداهم أجمعين ، ولكن تركهم يختارون عن بينة ، فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فعليها . فقد خلق فيهم العقل الذي يختار ووضع فيهم النفس الأمارة بالسوء والنفس اللوامة فكانت الإرادة حرة ، وثم الاختبار ليكون الثواب والعقاب والله أعدل الحاكمين .
{ ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا} ،{ كلهم} تأكيد ، و{ جميعا} حال . لو شاء الله أن يكون الناس كلهم مجتمعين على الهداية والإيمان لكانوا جميعا كذلك ، ولكن لم يشأ ليكون الاختيار ويتميز المؤمن من الكافر ، وقد قال تعالى:{ ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها . . . .13}( السجدة ) ، ولكنه سبحانه أودع النفوس القدرة على الاهتداء ، وبعث الرسل لكيلا يكون للناس على الله حجة وهدى الإنسان النجدين ليكون الاختيار{. . . .ونبلوكم بالشر والخير فتنة . . .35}( الأنبياء ) ، ذلك ليكون التنازع بين الفضيلة والرذيلة وليكون من آمن عن بينة ومن كفر عن بينة ، وكلمة{ كلهم} تأكيد لفظي وجميعا حال ، والمعنى مجتمعين على الإيمان لا يشذ من بينهم أحد .
ولقد قال تعالى في تقرير الاختيار:{ ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالوا مختلفين 118 إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين 119}( هود ) .
وإذا كانت تلك مشيئة الله تعالى وإرادته أن ترك لهم الاختيار ، فليس لك أن تريد منهم ما لم يرده الله لهم .
{ أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} أيكون الإيمان بإكراههم والله تعالى أراد لهم الاختيار في الاعتقاد والإيمان ، و( الفاء ) لترتيب ما بعدها على ما قبلها ؛ لأنه إذا كان الله تعالى يريد لهم الاختيار فلا تكرههم ، الاستفهام للإنكار بمعنى النفي ، أي ليس لك أن تكره الناس على أن يكونوا مؤمنين ، وقدم( أنت ) على الفعل لأن موضع النفي أن تكون أنت أيها النبي مكرههم ، وقد قرر الله تعالى لهم الاختيار .
{ حتى يكونوا مؤمنين}وهذا يفيد أن الإكراه موضع استنكار لأنه إيجاد للإيمان حيث لا تكون إرادة وقوله تعالى:{ حتى يكونوا مؤمنين} فيه ما يدل على أنه ينشيء مؤمنين ، وليس له ذلك ، إنما هو لله تعالى الذي يقول:{ ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء . . .272}( البقرة ) .
{ إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله لا يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين56}( القصص ) .
{ فذكر إنما أنت مذكر 21 لست عليهم بمسيطر22}( الغاشية ) .
ثم يقول تعالى: