/م98
{ ولَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً} أي لو شاء ربكأيها الرسول الحريص على إيمان الناسأن يؤمن أهل الأرض كلهم جميعا لا يشذ أحد منهم لآمنوا ، بأن يلجئهم إلى الإيمان إلجاء ، ويوجره في قلوبهم إيجارا ، ولو شاء لخلقهم مؤمنين طائعين كالملائكة ، لا استعداد في فطرتهم لغير الإيمان ، وفي معنى هذا قوله تعالى:{ ولو شاء الله ما أشركوا} [ الأنعام:107] وقوله:{ ولو شاء لجعل الناس أمة واحدة} [ هود:118] ، والمعنى الجامع في هذه الآيات أنه لو شاء الله ألا يخلق هذا النوع المسمى بالإنسان المستعد بفطرته للإيمان والكفر ، والخير والشر ، الذي يرجح أحد الأمور الممكنة المستطاعة له على ما يقابله ويخالفه بإرادته واختياره ، لفعل ذلك ، ولما وجد الإنسان في الأرض ، ولكن اقتضت حكمته أن يخلق هذا النوع العجيب ويجعله خليفة في الأرض ، كما تقدم بيانه في قصة آدم في سورة البقرة وفي آيات أخرى ، هكذا خلق الله الإنسان منهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به كما تقدم .
{ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} أي إن هذا ليس في استطاعتك أيها الرسول ، ولا من وظائف الرسالة التي بعثت بها أنت وسائر الرسل{ إن عليك إلا البلاغ} [ الشورى:48]{ وما أنت عليهم بجبار} [ ق:45] وهذه أول آية نزلت في أن الدين لا يكون بالإكراه ، أي لا يمكن للبشر ولا يستطاع ، ثم نزل عند التنفيذ{ لا إكراه في الدين} [ البقرة:256] ، أي لا يجوز ولا يصح به ، وذكرنا في تفسيرها سبب نزولها ، وهو عزم بعض المسلمين على منع أولادهم كانوا تهودوا من الجلاء مع بني النضير من الحجاز ، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن يخيروهم ، وأجمع علماء المسلين على أن إيمان المكره باطل لا يصح .لكن نصارى الإفرنج ومقلديهم من أهل الشرق لا يستحون من افتراء الكذب على الإسلام والمسلمين ، ومنه رميهم بأنهم كانوا يكرهون الناس على الإسلام و يخيرونهم بينه وبين السيف يقط رقابهم ، على حد المثل"رمتني بدائها وانسلت ".