/م98
{ ومَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ} أي وما كان لنفس ولا من شأنها فيما أشير إليه من استقلالها في أفعالها ، ولا مما أعطاها الله من الاختيار فيما هداها من النجدين ، وما ألهمها من فجورها وتقواها الفطريين ، أن تؤمن إلا بإرادة الله ، ومقتضى سنته في استطاعة الترجيح بين المتعارضين ، فهي مختارة في دائرة الأسباب والمسببات ، ولكنها غير مستقلة في اختيارها أتم الاستقلال ، بل مقيدة بنظام السنن والأقدار ، فالمنفي هو استطاعة الخروج عن هذا النظام العام ، لا الاستطاعة الخاصة الموافقة له ، ومثله قوله تعالى:{ وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله} [ آل عمران:145] ، أي إلا بمشيئته الموافقة لحكمته وسنته في أسباب الموت ، فكم من إنسان يعرض نفسه للموت شهيدا أو منتحرا بما يتراءى له من أسبابه ، ثم لا يموت بها لنقصها ، أو لمعارض مناف لها في نظام القدر الذي لا يحيط به علما إلا الله تعالى ، ومعنى الإذن في اللغة الإعلام بالرخصة في الأمر ، أي تسهيله وعدم المانع منه .
{ ويَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} هذا عطف على محذوف يدل عليه المذكور دلالة الضد على الضد ، أو النقيض على النقيض ، أي وإذا كان كل شيء بإذنه وتيسيره ومشيئته التي تجري بقدره وسنته ، فهو يجعل الإذن وتيسير الإيمان للذين يعقلون آياته في كتابه وفي خلقه ، ويوازنون بين الأمور فيختارون خير الأعمال على شرها ، ويرجحون نفعها على ضرها ، بإذنه وتيسيره ، وبجعل الرجس - أي الخذلان والخزي المرجح للكفر والفجور- على الذين لا يعقلون ولا يتدبرون ، فهم لأفن رأيهم ، واتباع أهوائهم ، يختارون الكفر على الإيمان والفجور على التقوى .وتقدم في تفسير آيات الخمر والميسر من سورة المائدة وفي الكلام على المنافقين من أواخر سورة التوبة أن الرجس لفظ يعبر به عن أقبح الخبث المعنوي الذي هو مبعث الشر والإثم .