/م101
والله تعالى يأمر بهما بمثل قوله:
{ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاواتِ والأَرْضِ} أي قل أيها الرسول لقومك الذين تحرص على هداهم:انظروا بعيون أبصاركم وبصائركم ماذا في السماوات والأرض من آيات الله البينات ، والنظام الدقيق العجيب في شمسها وقمرها ، وكواكبها ونجومها ، و بروجها ومنازلها ، وليلها ونهارها ، وسحابها ومطرها ، وهوائها ومائها ، وبحارها وأنهارها ، وأشجارها وثمارها ، وأنواع حيواناتها البرية والبحرية ، ففي كل من هذه الأشياء التي تبصرون آيات كثيرة تدل على علم خالقها وقدرته ، ومشيئته وحكمته ، ووحدة النظام في جملتها ، وفي كل نوع منها ، هو الآية الكبرى على وحدانيته في ربوبيته وألوهيته ، ثم انظروا ماذا في أنفسكم منها كما قال:{ وفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ* وفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [ الذاريات:20 ، 21] إنه يريكم كل هذه الآيات ثم أنتم تشركون .
{ ومَا تُغْنِي الآيَاتُ والنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} يجوز في هذه الجملة النفي والاستفهام ، والنذر فيها جمع نذير أو إنذار ، والمعنى أن الآيات الكونية على ظهور دلالتها ، والنذر التشريعية على بلاغة حجتها ، لا فائدة فيهما ولا غنى لقوم لا يؤمنون بالله عن الإيمان الذي يهديهم إلى الاعتبار بالآيات ، والاستدلال بها على ما تدل عليه أكمل الدلالة من وحدانية الله وقدرته ، ومشيئته وحكمته ، وفضله ورحمته ، والاعتبار بسننه في خلقه ، ففائدة الإيمان الأولى توجيه عقل الإنسان إلى حسن القصد في نظره في الآيات ، والاستفادة منها فيما يزكي نفسه بالعلم والإيمان ، ويرفعها عن أرجاس الأمور وسفسافها ، وبهذا تفهم معنى جعل الرجس على الذين لا يعقلون ، فليس المراد بالذين لا يعقلون المجانين الفاقدين لغريزة العقل ، بل المراد به الذين لا يستعملون العقل في أفضل ما هو مستعد له من المعرفة بالله وتوحيده وعبادته ، التي تجعلهم أهلا لإتمام نعمه عليهم وكرامته ، بالتزام الحق والعدل ، وإيثار الخير والشر .