/م98
{ فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا} لولا هذه للتخضيض كما قال أئمة اللغة والنحو .والمراد بالقرية أهلها ، وهم أقوام الأنبياء ، فإنهم كلهم بعثوا في أهل الحضارة والعمران دون البادية .أي فهلا كان أهل قرية من قرى أقوام أولئك الرسل آمنت بدعوتهم وإقامة الحجة عليهم ، فنفعها قبل وقوع العذاب الذي أنذروا به ، أي أنه لم يؤمن قوم منهم برمتهم ، فإن التحضيض يستلزم الجحد .
{ إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ} قبل وقوع العذاب بهم بالفعل ، وكانوا علموا بقربه من خروج نبيهم من بينهم ، وروي أنهم رأوا علاماته ، ويجوز في هذا الاستثناء الاتصال والانفصال .
{ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} أي صرفنا عنهم عذاب الذل والهوان في الدنيا ؛ لأن نبيهم خرج بدون إذن الله تعالى له ، فلم تتم عليهم الحجة ، ولا حقت عليهم كلمة العذاب ، وقد استدلوا بذهابه مغاضبا لهم على قرب وقوع العذاب كما أنذرهم فتابوا وآمنوا فكشفناه عنهم .
{ ومَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} أي ومتعناهم بمنافعها إلى زمن معلوم هو عمرهم الطبيعي الذي يعيشه كل منهم بحسب سنته تعالى في استعداد بنيته ومعيشته .وقد فصلنا الكلام في الأجل الذي يسمى الطبيعي وغيره في تفسير{ ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده} [ الأنعام:2] من سورة الأنعام ، ولا محل للبحث عن تعذيبهم في الآخرة كما فعل بعض المفسرين ، فإن شهادة الله تعالى لهم بالإيمان النافع ظاهرة في قبوله منهم صريحة في أنه لا يعذبهم في الآخرة على سابق كفرهم ، وإنما يجزون بغيره من أعمالهم بعد الإيمان .
هذا الذي فسرنا به الآية هو المتبادر من عبارتها ، والموافق للسياق ، ولسنة الله تعالى في أقوام الأنبياء عليهم السلام .وفيه تعريض بأهل مكة ، وإنذار لهم ، وحض على أن يكونوا كقوم يونس الذين استحقوا عذاب الخزي بعنادهم حتى إذا أنذرهم نبيهم قرب وقوعه ، وخرج من بينهم ، اعتبروا وآمنوا قبل اليأس ، وحلول البأس ، وسيأتي - إن شاء الله تعالى- ما ثبت من خبره عليه السلام في تفسير سورتي الأنبياء والصافات ، وهو موافق في جملته لما عند أهل الكتاب .