قوله:{وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ} وهذا كلام مستأنف يحمل دليلا آخر على قدرة الله وعظيم صنعه .والمعنى: أن في الأرض قطعا متقاربات متدانيات يقرب بعضها من بعض بالجوار ،لكن هذه التقطع من الأرض تختلف بالتفاضل ؛فمنها قطعة سبخة لا تنبت ،وفي جوارها قطعة خصبة تنبت ،أو هذه حمراء وبجوارها بيضاء ،أو سوداء ،أو هذه رملية وبجوارها طينية ،وهكذا ،لكن القطع جميعا متجاورات وهي مع تجاوزها وتدانيها فيما بينها ولصوق بيعها ببعض فإنها جميعا تتفاوت في المذاق والطعوم ؛فهذه ثمرها جيد ،والأخرى ثمرها رديء ،وهذه ثمرها أسود ،وذلك كله بتقدير الله وصنعه ؛فهو المدبر للخلق ،القائم على تصريف الحياة والأحياء كيف يشاء .
قوله:{وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ}{جنات} مرفوع لعطفه على{قطع}{رزوع} معطوف على{جنات} .والتقدير: وفي الأرض فقطع متجاورات وجنات وزرع ونخيل{صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} الصنوان ،جمع صنو ،مثل قنوان جمع قنو .وكذلك الاثنان صنوان .والصنو أن يكون الأصل واحدا وتنبت فيه النخلتان والثلاث فأكثر ،فكل واحدة صنو .
وقيل: الصنو: المثل .وفي الحديث: ( ألا إن عم الرجل صنو أبيه ) أي مثله{[2312]} ،وعلى هذا فالصنون بمعنى النخلات يجمعهن أصل واحد .وغير الصنوان المتفرقات .
قوله:{يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ}{الأكل}: الثمر .وقيل: ثمر النخل والشجر .وكل مأكول أكل{[2313]} .والمعنى: أن الأرض واحدة ،والماء الساقي واحد ومتشابه .ثم تأتي طعوم الثمار متفاوتة مختلفة ؛فيكون فيها الحلو والحامض والمر ،والجيد والرديء .و{الأكل} معناه الطعم{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} فيما تبين من صفات والظواهر في الخلق والطبيعة لهو دلالات لأولي الفهوم والنهي كيما يعتبروا ويتدبروا{[2314]} .