وفي الآية الأخيرة من هذه المجموعة يشير القرآن الكريم إلى عدّة نقاط حول علم الأرض وعلم النبات ،والتي تعبّر عن النظام الدقيق للخلقة ،يقول أوّلا ( وفي الأرض قطع متجاورات ){[1909]} فبالرغم من أنّ هذه القطع متصلة مع بعضها البعض ،فإنّ لكلّ واحد منها بناءه وتركيبه الخاص به ،فبعضها قوي والآخر ضعيف ،وبعضها مالح والآخر حلو ،وكلّ قطعة لها الاستعداد في تربية نوع خاص من النباتات وأشجار الفاكهة والزراعة ،لأنّ احتياجات الإنسان والحيوان كثيرة ومتفاوتة ،وقد تكون لكلّ قطعة من الأرض المسؤولية في تلبية إحدى هذه الحاجات .وأمّا إذا كانت في مستوىً واحد ،أو لم تكن استعداداتها مقسّمة بالشكل المطلوب ،لكان الإنسان يمرّ بأزمة ونقص في مواده الغذائية والطبية وسائر الاحتياجات الأُخرى ،ولكن هذا التقسيم المناسب للمسؤولية وتوزيعها على القطعات المختلفة للأرض سوف يسدّ الاحتياجات اللازمة للإنسان .
قوله تعالى: ( وجنّات من أعناب وزرع ونخيل{[1910]} صنوان وغير صنوان ){[1911]} .
«صنوان » جمع «صنو » بمعنى الغصن الخارج من أصل الشجرة ،وعليه فالكلمة تعني الأغصان المختلفة الخارجة من أصل الشجرة .
والملفت للنظر أنّه يمكن أن يكون لكلّ واحد من هذه الأغصان نوع خاصّ من الثمر ،وهذه قد تشير إلى قابلية الأشجار للتركيب .ففي بعض الأحيان يتمّ تركيب عدّة أغصان مختلفة على ساق واحدة ،وبعد نمو هذه التراكيب تعطي كلّ واحدة منها نوعاً خاصاً من الثمر ،فالتربة واحدة والساق والجذر واحد ولكن الثمر مختلف .
والأعجب من ذلك أنّها تسقى بماء واحد ( يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) .
وقد نرى كثيراً أنّه في الشجرة الواحدة أو في غصن واحد توجد ثمار من نفس الصنف ولكن لها أطعمة وألوان مختلفة ،وفي العالم نشاهد أوراداً كثيرة ،وقد يحمل الغصن الواحد أوراداً مختلفة الألوان .
أي مختبر للأسرار هذا الذي يعمل في أغصان الأشجار ،والذي ينتج من مواد قليلة متحدة ،تركيبات مختلفة تؤمّن احتياجات الإنسان .
أليست هذه الأسرار تدلّ على وجود من يقود هذا النظام بالعلم والحكمة .وهنا في آخر الآية يقول تعالى: ( إنّ في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) .
هناك عدّة نقاط:
1ما هي وجه العلاقة بين التوحيد والمعاد ؟
كان الحديث في بداية الآية عن التوحيد وأسرار الكون ،ولكن نقرأ في نهايتها ( يفصّل الآيات لعلّكم بلقاء ربّكم توقنون ) فما هي وجه العلاقة بين التوحيد والمعاد حتّى تكون الواحدة نتيجة للأخرى ؟
للإجابة على هذا السؤال لابدّ من ملاحظة ما يلي:
أإنّ قدرة الله على إيجاد الكون دليل على قدرته في إعادته كما نقرأ في الآية ( 29 ) من سورة الأعراف ( كما بدأكم تعودون ) أو نقرأ في أواخر سورة «يس » قوله تعالى: ( أو ليس الذي خلق السّماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ) .
بوكما قلنا في بحثنا عن المعاد ،فإنّه لا فائدة من خلق العالم إذا لم تكن الآخرة حقيقة ،لأنّه لا يمكن أن تكون هذه الحياة هي الهدف من خلق هذا العالم الواسع .يقول القرآن الكريم ضمن آياته المتعلّقة بالمعاد من سورة الواقعة آية ( 62 ): ( ولقد علمتم النشأة الأُولى فلولا تذكرون ){[1912]} .
/خ4