قوله تعالى:{وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ} المكر معناه الخداع أو الخديعة ؛ماكره: أي خادعه .وتماكروا: احتال بعضهم على بعض{[2361]} والمعنى: ان الكافرين من الأمم السابقة قد مكروا برسلهم وأنبيائهم ؛إذ كادوا لهم كيدا ،وتملأوا عليهم بالخداع والغدو والصد والأذى ،كمكر نمرود بإبراهيم ،ومكر فرعون بموسى ،وكما كادت يهود لعيسى المسيح .
قوله:{فلله المكر جميعا} أي أن جميع مكر الماكرين غنما يحصل بتخليق الله وإرادته ؛لأن الله خالق للعباد وأعمالهم جميعا .
على أن مكر الماكرين لا يضر أحدا من الممكور بهم إلا أن يشاء الله و يؤثر فه إلا بتقديره سبحانه .وفي ذلك تسلية من الله للنبي صلى الله عليه وسلم كيلا يعبأ أو يكترث ما دام حصول المكر من تخليق الله ،وتأثيره في المكور به لا يقع خارجا عن إرادة الله ،فوجب بذلك أن لا يكون الخوف إلا من الله وحده ،وأن لا يكون الرجاء إلا من الله دون غيره من المخاليق .
قوله:{يعلم ما تكسب كل نفس} أي أن الله عليم بما يفعله المشركون الظالمون من كيد للرسول والمؤمنين .وهو مجازيهم عما فعلوه{وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار} يعني سيعلم الكافرون من تكون له العاقبة المحمودة في دار الدنيا هذه ،أو في الدار الآخرة ،أو في كلتا الدارين جميعا{[2362]} .