قوله: ( معطعين مقنعي رؤوسهم ) مهطعين مقنعي رؤوسهم ،منصوبان على الحال من الضمير في ( يؤخرهم ) والتقدير: إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار في هاتين الحالتين{[2415]} و ( مهطعين ) أي مسرعين .من الإهطاع والهطع والهطوع وهو الإسراع .يقال: أهطع البعير في سيره واستهطع إذا أسرع .وأهطع الرجل إذا مد عنقه وصوّب رأسه وأسرع مقبلا خائفا .أو أقبل ببصره على الشيء لا يقلع عنه{[2416]} .ومقنعين ؛أي رافعين رؤوسهم وناظرين في ذل وخوف{[2417]} .
وهذه هي حال الظالمين المجرمين الذين يأتون يوم القيامة وقد أثقلتهم الخطايا والمعاصي وأهلكهم الكفران والشرك والإفساد في الأرض .يأتون مسرعين رافعين رؤوسهم ،مادين أعناقهم ،شاخصة أبصارهم فلا تطرف .وذلك كله لهول الموقف العصيب ،ولشدة ما يغشاهم من الهوان والوجل .نسأل الله العفو والستر والنجاة والأمان .
قوله: ( لا يرتد إليهم طرفهم ) الطرف ،معناه تحريك الجفن ،والمراد: أن الظالمين لا تطرف أبصارهم ؛فهم دائمو الشخوص في ذل ووجل .
قوله: ( وأفئدتهم هواء ) الهواء معناه الخلاء أو الأجوف الذي لم يشغله شيء ،ثم جعل ذلك وصفا للقلب المضطرب الخاوي الذي لا خير فيه ولا قوة .وهذه حال الكافرين الخاسرين يوم القيامة ؛إذ تكون قلوبهم خالية من كل أمل أو رجاء أو خاطر لانشغالها بما تجده حينئذ من الهم والاضطراب والوجل .
هذه حال الظالمين الخاسرين يوم القيامة من التعس والخسران والذل واشتداد الوجل لهول ما يواجههم من الدواهي العظام والويلات المريعة الجسام .نجانا الله من كل ذلك برحمته نجاة تفضي بنا إلى السلامة والأمان .
وما ينبغي الظن أن عقاب الظالمين محصور في الآخرة دون الدنيا ؛فإن الله المنتقم الجبار لا يخفى عليه ما يصنعه الطغاة المجرمون في هذه الدنيا من وجوه الظلم والباطل ،وما يكيده هؤلاء التعساء المجرمون لدينه وقرآنه والمسلمين من بالغ الكيد والعدوان والاضطهاد .والله جل جلاله يستمهل هؤلاء المضلين العصاة استمهالا ،حتى إذا جاء وعده بالانتقام دمّر عليهم أفظع تدمير وأخذهم أخذ عزيز مقتدر في هذه الدنيا قبل الآخرة{[2418]} .