قوله تعالى:{ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ( 42 ) مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء ( 43 )} ذلك خطاب من الله لرسوله ( ص ) في الظاهر ،وهو في الحقيقة خطاب للمسلمين في كل زمان .خطاب فيه تهديد رعيب للظالمين المجرمين ،وفيه وعيد مجلجل من الله يتوعد به الجاحدين المجرمين الذين عتوا عن أمر الله وتنكبوا عن منهجه العظيم وجنحوا للشرك والمعاصي وفعل المنكرات والمفاسد وإضلال العباد .
أولئك يتوعدهم الله الوعيد المخوف المرجف ،الوعيد الذي يثير في القلوب الرعب والوجل ،وينشر في الأذهان الذهول والهول .وذلك من خلال هذه الكلمات الربانية المعدودة المزلزلة .بضع كلمات تحمل من الترويع والنذر ما يُرجف المشاعر والأبدان .وذلك في قوله: ( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون ) أي تظنن أن الله ساه عما يعمله الجاحدون المشركون من المعاصي والآثام ،بل إنه عالم بهم وبأعمالهم التي يحصيها عليهم ليجزيهم الجزاء الذي يستحقونه في يوم الجزاء .
قوله: ( إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ) من الشخوص ،وهو الارتفاع .وشخص البصر إذا ارتفع .وشخص بصره فهو شاخص ؛إذا فتح عينيه وجعل لا يطرف{[2414]} .
والمعنى: أن هؤلاء الجاحدين الظالمين ليس الله بغافل عنهم ولكن الله يؤخر لهم العذاب الأليم الواصب إلى اليوم القارع القاصم .اليوم الذي تغشاهم فيه غاشية القيامة بأهوالها العظام ودواهيها الرعيبة الجسام .وحينئذ تشخص أبصار هؤلاء الخاسرين الهلكى وهي مفتوحة لا تطرف لفرط ما أصابهم من الخوف الفظيع الداهم ولشدة ما ينتابهم حينئذ من الدهش والانهيار .