الكافرون بالنعم ظالمون
ذكر الله سبحانه وتعالى مثلا كاملا لشكر النعمة ، واختار لذلك خليله إبراهيم عليه السلام ؛ لأنه أبو العرب الذين يعتزون بنسبه ، وهو الذي أجرى الله على يديه بناء البيت مكان عزهم ، وكره دعوة إلى اتباع ملته ، والإسلام ملة إبراهيم الذي سمى المسلمين مسلمين .
بعد ذلك ذكر سبحانه من يكفرن النعمة ويظلمون أنفسهم بكفرهم ، فقال عز من قائل:{ ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ( 42 )} .
الحسبان هو الظن أو العلم المبني على الظن ، والنبي صلى الله عليه وسلم منزه عن أن يظن الغفلة أو السهو على الله تعالى ، فالله يعلم ما كان وما يكون ، وما هو كائن ؛ ولأنه تعالى وعده بالنصر ، والعقاب الشديد على ما يفعله ، وأنه محص عليهم أعمالهم كل امرئ بما كسب فكيف ينهى عن الظن بأن الله غافل ، وما كان احتمال لأن يرد ذلك على قلب النبي صلى الله عليه وسلم حتى ينهى عنه ، والجواب في ذلك أن هذا الكلام لتأكيد أن الله تعالى يحصى على المشركين أعمالهم ، كما يقول تعالى:{. . .ولا تكونن من المشركين ( 87 )} [ القصص] ، وكقوله تعالى:{ ولا تدع مع الله إلها آخر . . .( 88 )} [ القصص] ، فهو نهى للتثبت ، وتأكيد أنه لم يقع من النبي صلى الله عليه وسلم ، فوق ذلك أن النهي إعلام للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه عالم بحالهم محص عليهم سيئاتهم ، وهو تهديد شديد لهم ، كما يقول المجادل لمجادله:لا تجهل أنى عالم بكل أخطائك ، فهو إعلام ، وهو تهديد للمشركين .
وعبر بقوله تعالى:{ الظالمون} فأظهر في موضع الأضمار لتسجيل الظلم عليهم ؛ ولأن العقاب سبب الظلم ، فهم أشركوا ، والشرك ظلم عظيم ، وذوا المؤمنين والمؤمنات ، وذلك اعتداء ظالم آثيم ، وصدوا عن سبيل الله ، فلم يتركوا الناس أحرارا يعتقدون ما يرونه حقا .