قوله تعالى:{أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون ( 17 ) وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم ( 18 )} الاستفهام للإنكار والتوبيخ .والمراد التذكير بالتباين غير المحدود بين من يخلق وهو البارئ عز وعلا ،وبين من لا يخلق وذلك لمختلف الأنداد المزعومة والآلهة المصطنعة المفتراة من دون الله .وذكر في المعبودين مختلف الأصنام التي لا تعقل وغيرها ممن يعقل كالملائكة وعزير وعيسى ابن مريم ،أو غيرهم من الطغاة الجبابرة من البشر الذين ادعوا الإلهية واستعبدوا الناس استعبادا .
وفي الآية هذه تكبيت بليغ للمشركين الواهمين الذين يعبدون آلهة مصطنعة مفتراة من دون الله .لا جرم أن التباين عظيم بين الذي يخلق ما تقدم ذكره من سماء وأرض وجبال وأنهار وبحار ،وفلك ونجوم ،وهو الله جل وعلا ،وبين المخاليق من مختلف الموجودات .وما المخاليق إلا الكائنات من أجناس شتى سواء فيها الأصنام الجوامد التي لا تعي ولا تنطق ولا تضر ولا تنفع ،أو غير الأصنام من الأحياء كعزير والمسيح أو الجن والملائكة أو غيرهم ممن عبدتهم الأمم الضالة سفها وجهالة كنمروذ وفرعون .وأولئك جميعا ليسوا غير أصناف مختلفة من المخاليق أولي الطبائع الضعيفة والهيئات القاصرة المحدودة .فما ينبغي لذي عقل أن يعبد شيئا من هذه الكائنات ثم يعرض عن عبادة الله الخالق البارئ القادر .وهذا ما يقتضيه قوله سبحانه: ( أفلا تذكرون ) استفهام إنكار وتوبيخ ؛أي أفلا تتدبرون وتتفكرون فتعتبروا وتتعظوا وتوقنوا مبلغ ما أنتم عليه من الباطل والضلال والغفلة ؟!