قوله تعالى:{والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ( 41 ) الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون ( 42 )} هذه الآية نزلت في أصحاب النبي ( ص ) بمكة بلال وصهيب وخباب وعامر وجندل بن صهيب ؛إذ أخذهم المشركون بمكة فعذبوهم وآذوهم ،فبوأهم الله تعالى بعد ذلك المدينة .وقيل: ذلك إخبار عن جزاء الله لكل الذين هاجروا في سبيله ابتغاء مرضاته ؛فقد فارقوا الأوطان والأهل والخلان راجين الثواب وحسن الجزاء من الله .وقيل: سبب نزولها في مهاجرة الحبشة الذين اشتد أذى قومهم لهم بمكة حتى خرجوا من بين أظهرهم إلى بلاد الحبشة ليتمكنوا من عبادة الله في حرية وأمان .وكان من بينهم عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت رسول الله ( ص ) ،وجعفر بن أبي طالب وغيرهما في جماعة قريب من ثمانين ما بين رجل وامرأة رضي الله عنهم أجمعين{[2529]} .والمعنى: أن المؤمنين الذين تركوا أوطانهم وأهليهم وقراباتهم وكل ما لديهم من أموال وممتلكات وصداقات وذكريات ( في الله ) أي لله أو لوجهه وابتغاء مرضاته وثوابه ورحمته ،ورغبة في نصرة دينه ،وليعبدوا الله آمنين أحرارا ( من بعد ما ظلموا ) أي من بعد ما عذبهم الكافرون ليفتنوهم عن دينهم ،وليصدوهم عن دعوة الله إن استطاعوا ،لكنهم مضوا ثابتين صابرين لا تثنيهم الشدائد ولا توهنهم الملمات والفتن والنوائب عن عقيدتهم ( لنبوئنهم في الدنيا حسنة ) ( لنبوئنهم ) لنسكننهم .بوأه منزلة ،أسكنه أو أنزله فيه .والمباءة المنزل{[2530]} ،و ( حسنة ) ،صفة للمصدر ؛أي تبوئة حسنة أو مباءة أو منزلة حسنة .والمراد بها: الحلول بالمدينة ليجدوا فيها أمنهم وسكينتهم واستقرارهم .وليكون لهم فيها السلطان والغلبة والظهور .
وقيل: لننزلنهم في الدنيا منزلة حسنة وهي الغلبة على أهل مكة حيث الشرك والظلم وحيث يقيم الضالون الذين عذبوهم واضطروهم للخروج والهجرة ؛بل الغلبة على سائر البلاد .
قوله: ( ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ) ذلك تأكيد من الله على أن ثواب المؤمنين المهاجرين في سبيل الله أكبر مما أوتوه في الدنيا من حسنة ؛فإن ثوابهم في الآخرة الجنة وهي النعيم المقيم الذي لا يزول ولا يبيد .
قوله: ( لو كانوا يعلمون ) الضمير عائد إلى المؤمنين ؛أي لو رأوا مبلغ ثوابهم في الآخرة وما أعده الله لهم من عظيم الجزاء ؛لزادوا في اجتهادهم وصبرهم .وقيل: الضمير عائد إلى الكافرين ؛أي لو علم الكافرون ما أعده الله لعباده المؤمنين يوم القيامة من النعيم لآمنوا ورغبوا في دين الله ،دين الإسلام .