خبر تعالى عن جزائه للمهاجرين في سبيله ابتغاء مرضاته ، الذين فارقوا الدار والإخوان والخلان رجاء ثواب الله وجزائه .
ويحتمل أن يكون سبب نزول هذه الآية الكريمة في مهاجرة الحبشة الذين اشتد أذى قومهم لهم بمكة ، حتى خرجوا من بين أظهرهم إلى بلاد الحبشة ، ليتمكنوا من عبادة ربهم ، ومن أشرافهم:عثمان بن عفان ، ومعه زوجته رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وجعفر بن أبي طالب ، ابن عم الرسول وأبو سلمة بن عبد الأسد في جماعة قريب من ثمانين ، ما بين رجل وامرأة ، صديق وصديقة ، رضي الله عنهم وأرضاهم . وقد فعل فوعدهم تعالى بالمجازاة الحسنة في الدنيا والآخرة فقال:( لنبوئنهم في الدنيا حسنة ) قال ابن عباس والشعبي ، وقتادة:المدينة . وقيل:الرزق الطيب ، قاله مجاهد .
ولا منافاة بين القولين ، فإنهم تركوا مساكنهم وأموالهم فعوضهم الله خيرا منها في الدنيا ، فإن من ترك شيئا لله عوضه الله بما هو خير له منه وكذلك وقع فإنهم مكن الله لهم في البلاد وحكمهم على رقاب العباد ، فصاروا أمراء حكاما ، وكل منهم للمتقين إماما ، وأخبر أن ثوابه للمهاجرين في الدار الآخرة أعظم مما أعطاهم في الدنيا ، فقال:( ولأجر الآخرة أكبر ) أي:مما أعطيناهم في الدنيا ( لو كانوا يعلمون ) أي:لو كان المتخلفون عن الهجرة معهم يعلمون ما ادخر الله لمن أطاعه واتبع رسوله ; ولهذا قال هشيم ، عن العوام ، عمن حدثه أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان إذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاءه يقول:خذ بارك الله لك فيه ، هذا ما وعدك الله في الدنيا ، وما ادخر لك في الآخرة أفضل ، ثم قرأ هذه الآية:( لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ) .