قوله:{ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون} ( سبحانه ) ،اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه .وما ،في موضع رفع على الابتداء ،وخبره ( لهم ) مقدم{[2545]} .
لقد كانت بعض قبائل العرب تقول: الملائكة بنات الله .لا جرم أن هذه المقالة غاية الضلال والباطل .ولذلك قال: ( سبحانه ) ،وهذا تعجيب من جهلهم القبيح الفاضح ،وهو وصفهم الملائكة المقربين بالأنوثة ،فضلا عن تنزيه الله لذاته عن نسبة الولد إليه .وهو عز وعلا المنزه عن نقائص المخلوقين وضعفهم .
قوله: ( ولهم ما يشتهون ) ،وهم البنون ؛فقد كان العرب تفيض نفوسهم رغبة في الذكور ،وفي مقابل ذلك تفيض عيافة للإناث .لقد كانوا يعافون البنات ويكرهون ولادتهن ومقدمهن .كانوا لفرط سفههم وضلال عقولهم وشدة ظلمهم يبتئسون أشد الابتئاس ،ويستشعرون في أنفسهم بالغ الجراحة إذا ما رزقوا البنات .
هكذا كان الجاهليون العرب يتصورون .وهو تصور خاطئ وظالم وأثيم ،يراود أذهانا خالطها الفساد والمرض في مجتمع جاهلي ظلوم .
أما ميزان الإسلام فيما توزن به اعتبارات الناس ومقاديرهم ،فإنها هي العقيدة الكريمة السمحة .العقيدة التي بنيت على الإيمان بالله وإفراده بالإلهية دون غيره من المخاليق .يضاف إلى ذلك مزية العلم ؛فإنه في ميزان الإسلام عظيم القدر ،بالغ الأهمية ،ويعزز هذه الحقيقة من اعتبار الإيمان والعلم قوله تعالى: ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) .
وعلى هذين الاعتبارين ،وهما الإيمان والعلم ،تعرف مقادير الناس ،لتتحقق لهم الكرامات والاعتبارات .فأيما إنسان أتقى وأعلم ؛فهو في ميزان الإسلام خير وأفضل .يستوي في ذلك الذكر والأنثى .ولا يغني الإنسان كونه ذكرا إذا أبطأ به عمله ،فكان غير ذي علم ولا تُقى .ماذا تغنيه ذكورته إذا جاء ربه يوم القيامة خاليا من الهداية والطاعة والعلم .لا جرم إذ ذاك أن يُقذف به ليكون في زمرة الخاسرين الأشقياء الذين يساقون إلى جهنم .لكن المرأة الكريمة الفضلى ذات العقيدة والخلق ،فإنها تستوجب التكريم والاحترام في هذه الدنيا .وهي يوم القيامة في زمرة الآمنين الفائزين ،وهي من أهل النجاء والجنة .