ظلم البنات
إن الأوهام إذا كانت هي مصدر علم طائفة من الناس فلا تعجب ، والأمثال على ذلك واقعة بين أيدينا في هذا الزمان ومن شأن من تحكمه الأوهام أن يتخيل ثم يظن ثم يتوهم ثم يعتقد ، كان العرب يعرفون الملائكة ، ويعرفون الله وإنه خالق كل شيء ، وأنه المستغاث لكل مستغيث ، وأنه الملجأ في الشديد ولكن خلطوا بذلك أوهاما كثيرة أفسدت تفكيرهم ، فأشركوا الأوثان مع الله تعالى ، ومن ذلك أنهم توهموا أن الملائكة إناث لا ذكور ، وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ، وجعلوها بنات الله تعالى ، ثم ذهب بهم فرط أوهامهم إلى أن كان منهم من عبدها ؛ ولذا قال تعالى:{ ويجعلون لله البنات سبحانه وله ما يشتهون ( 57 )} ، أي أنهم جعلوا لله البنات – تنزه وتقدس عن ذلك – ولهم ما يشتهون ، وهم الذكور ، ومعنى يشتهون يختارون راغبين ملحفين في الدعوة حتى كأنهم شهوة يشتهونها ؛ لأنهم يرونهم امتدادا لوجودهم ، ولأنهم يرون فيهم النصرة في الحرب ؛ ولذا كان الرجل يكون في قوة ببنيه ويكون أعز نفرا ، ولقد نعى الله تعالى عليهم أن قالوا لله تعالى ولدا ، فقال تعالى:{ ألا إنهم من إفكهم ليقولون ( 151 ) ولد الله وإنهم لكاذبون ( 152 )} [ الصافات] ، وأن ذهب فرط أوصافهم أن يقولوا ولد الله بنات{ أصطفى البنات على البنين ( 153 ) ما لكم كيف تحكمون ( 153 )} [ الصافات] ويقول سبحانه ردا عليهم:{ ألكم الذكر وله الأنثى ( 21 ) تلك إذا قسمة ضيزى ( 22 )} [ النجم] .
هكذا تدرج بهم الوهم من زعم أن لله ولدا ، وإن هذا الولد من الإناث اللائي لا يرغبن فيهم ، ثم استرسل بهم الوهم حتى كان منهم من عبد الملائكة ، وهم طائفة من الصائبة كانت تعبد الأرواح .