عطف على جملة{ ويجعلون لما لا يعلمون نصيباً مما رزقناهم}[ سورة النحل: 56] .
هذا استدلال بنعمة الله عليهم بالبنين والبنات ،وهي نعمة النّسل ،كما أشار إليه قوله تعالى:{ ولهم ما يشتهون} ،أي ما يشتهون مما رزقناهم من الذّرية .
وأدمج في هذا الاستدلال وهذا الامتنان ذكرُ ضرب شنيع من ضروب كفرهم .وهو افتراؤهم: أن زعموا أن الملائكة بنات الله من سروات الجنّ ،كما دل عليه قوله تعالى:{ وجعلوا بينه وبين الجنّة نسباً}[ سورة الصافات: 158] .وهو اعتقاد قبائل كنانة وخزاعة .
والجعل: هنا النسبة بالقول .
و{ سبحانه} مصدر نائب عن الفعل ،وهو منصوب على المفعولية المطلقة ،وهو في محل جملة معترضة وقعت جواباً عن مقالتهم السيّئة التي تضمّنتها حكاية{ ويجعلون لله البنات} إذ الجعل فيه جعل بالقول ،فقوله:{ سبحانه} مثل قولهم: حاش لله ومعاذَ الله ،أي تنزيهاً له عن أن يكون له ذلك .
وإنا قدم{ سبحانه} على قوله:{ ولهم ما يشتهون} ليكون نصّاً في أن التّنزيه عن هذا الجعل لذاته وهو نسبة البنوّة لله ،لا عن جعلهم له خصوص البنات دون الذكور الذي هو أشدّ فظاعة ،كما دلّ عليه قوله تعالى:{ ولهم ما يشتهون} ،لأن ذلك زيادة في التّفظيع ،فقوله:{ ولهم ما يشتهون} جملة في موضع الحال .وتقديم الخبر في الجملة للاهتمام بهم في ذلك على طريقة التهكّم .
وما صدق{ ما يشتهون} الأبناء الذكور بقرينة مقابلته بالبنات ،وقوله تعالى:{ وإذا بشر أحدهم بالأنثى}[ سورة النحل: 58] ،أي والحال أن لهم ذكوراً من أبنائهم فهلّا جعلوا لله بنين وبنات .وهذا ارتقاء في إفساد معتقدهم بحسب عرفهم وإلا فإنه بالنسبة إلى الله سواء للاستواء في التولّد الذي هو من مقتضى الحدوث المنزّه عنه واجب الوجود .
وسيخصّ هذا بالإبطال في قوله تعالى:{ ويجعلون لله ما يكرهون}[ سورة النحل: 62] .ولهذا اقتصر هنا على لفظ البنات الدالّ على الذّوات ،واقتصر على أنهم يشتهون الأبناء ،ولم يتعرّض إلى كراهتهم البنات وإن كان ذلك مأخوذاً بالمفهوم لأن ذلك درجة أخرى من كفرهم ستخصّ بالذّكر .