قوله تعالى:{والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون ( 72 )} يمتن الله على عباده بهذه المنة العظمى ،وهي منة الأزواج والأولاد والحفدة .فقال عز وعلا: ( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا ) ،أي: خلق لكم من جنسكم ونوعكم أزواجا ،ولو جعل الأزواج من جنس أو نوع آخر ،لما حصلت المودة والرحمة بين الجنسين .فمن فضل الله ورحمته بالعباد أن خلق من بني آدم كلا الصنفين: الذكور والإناث ؛لتكون الإناث أزواجا للذكور ،فيتم الائتلاف والانسجام ،وتتحقق المودة والرحمة بينهم .ويستدل بهذا على عدم صحة الزواج من الجن .وقيل: المراد بذلك خلق حواء من نفس آدم .وفيه نظر .
قوله: ( وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ) ،أي: جعل الله لكل واحد منكم من زوجه لا من زوج غيره ( بنين ): جمع ابن .وذلك عن طريق التوالد .
قوله: ( وحفدة ) ،معطوف على ( بنين ) ،لكونه من الأزواج .وفُسر بأنه أولاد الأولاد .وقيل: إنه من عطف الصفات لشيء واحد ؛أي: جعل لكم بنين خدما .والحفدة: الخدم .والحفدة: جمع حافد ،كخادم وخدم .وهو من قولهم: حفد يحفد حفدا وحفودا وحفدانا ؛أي: أسرع في الطاعة .وفي الحديث:"وإليك نسعى ونحفد "،أي: نسرع في طاعتك .وحفد ،أي: خف في العمل وأسرع .والحفد ،بالسكون معناه: المشي دون الخبب .وسيف محتفد ،أي: سريع القطع .وأحفده ،حمله على الإسراع .ورجل محفود ،أي مخدوم{[2571]} .
قوله: ( ورزقكم من الطيبات ) ،( من ) ؛للتبعيض ،أي: رزقكم بعض الطيبات في هذه الدنيا وليس كلها ؛لأن كل الطيبات إنما يكون في الجنة .والمراد بالطيبات المستلذات .وهو عام في كل الخيرات من الثمرات والزروع والحيوان بأنواعه ،وكذا الأشربة بأصنافها .كل ذلك من الطيبات التي تفضل الله بها على عباده .
قوله: ( أفبالباطل يؤمنون ) ،الاستفهام ؛للإنكار والتوبيخ .والباطل: هو ما يعتقدونه من جدوى الأصنام وبركتها وشفاعتها .أو الشيطان ؛إذ يسوّل لهم التلبس بالشرك وفعل الحرام ،مما لم ينزل الله به سلطانا ،كتحريم البحائر والسوائب وغير ذلك من نعم الله ؛فهم إنما يؤمنون بذلك الباطل .
قوله: ( وبنعمة الله هم يكفرون ) ،نعمة الله هي الإسلام ،بما حواه هذا الدين العظيم من عقيدة وشريعة وأحكام تتناول كل مشكلات الحياة البشرية ،وفي ذلك من هداية البشر وإرشادهم ما يفضي إلى السلامة والنجاة في الدارين .لكن المشركين الضالين السادرين في الغي والباطل يجحدون ذلك وينكرونه أشد إنكار ؛لسقم عقولهم وضلال تفكيرهم .وقيل: نعمة الله: ما منّ الله به على العباد من وجوه الخيرات والمنافع الدنيوية التي لا تحصى{[2572]} .