قوله تعالى:{والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون ( 71 )} ذلك توبيخ للمشركين وتقريع ؛لاتخاذهم مع الله آلهة من المخلوقات .والمعنى: أنكم أيها المشركون لا ترضون بشركة مماليككم في شيء من أموالكم وهم أمثالكم في البشرية والمخلوقية لله ،فكيف بكم تشركون بالله في الألوهية والمعبودية بعض مخلوقاته ؟!وبعبارة أخرى: فأنتم لا ترضون أن تساووا عبيدكم فيما رزقناكم ،فكيف ترضون لله أن يساويه عبيده في الإلهية والمعبودية والتعظيم ؟!وعلى هذا قوله: ( والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء ) ،أي: جعلكم الله متفاوتين في الرزق مما أعطاكم ؛إذ جعلكم أكثر رزقا من مماليككم الذين ربما كانوا أعظم منكم في العلم والورع .لكن الذين فضلهم الله في هذا الرزق ،وهم الملاك ،غير رادين ما أعطاهم من الرزق على مماليكهم الذين هم شركاؤهم في المخلوقية ليكونوا جميعا فيه ( سواء ) ،أي: متساوين لا تفاضل بينهم .فما دمتم لا ترضون لعبيدكم أن يكونوا شركاءكم فيما تملكون ،فكيف ترضون أن تجعلوا لله شركاء من عبيده ؟!وقوله: ( فهم فيه سواء ) ،هذه الجملة اسمية ،في موضع نصب ؛لأنها وقعت جوابا للنفي ،وقامت هذه الجملة الاسمية مقام جملة فعلية .وتقديره: فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فيستووا{[2568]} ،وهذا مثل ضربه الله للذين جعلوا له شركاء ،فقال لهم: أنتم لا تُسوون بينكم وبين عبيدكم فيما أنعمت به عليكم ،ولا تجعلونهم فيه شركاء ،ولا ترضون ذلك لأنفسكم ،فكيف رضيتم أن تجعلوا عبيدي لي شركاء ؟!{[2569]} .
قوله: ( أفبنعمة الله يجحدون ) ،الهمزة للاستفهام الإنكاري ،والفاء للعطف على مقدر ،وذلك استفهام عن جحود هؤلاء المشركين نعمة ربهم ،استفهام توبيخ وإنكار ؛فقد تفضل الله عليهم بالنعم الكثيرة التي لا تحصى ،لكنهم جحدوا ذلك كله ،وعبدوا معه آلهة مزعومة أخرى{[2570]} .