وإن الله تعالى لم يجعل الناس على سواء في الغنى والفقر فقال تعالى:
{ والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون ( 71 )} .
هذه بيان حال الإنسان من الغنى والفقر ، والسعة في الرزق ، ومن قدر رزقه ، وفي تهيأ الأسباب ليكسب رزقا وفيرا وخيرا عميما فقال:{ والله فضل بعضكم على بعض في الرزق} يسير الأسباب فمنكم من سلك السيل فنال مالا ، ومنكم من لم يكن له سبيل إلى مال فكان فقيرا ،{ فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم} ، أي فما الذين أوتوا سعة في المال ومالا كثيرا وخيرا عميما برادي رزقهم أي بجعلهم أي بجعلهم رزقهم عائدا على ما ملكت أيمانهم من الإماء والعبيد ، ليكونوا هم وعبيدهم في المال على سواء فيكون المال لهم جميعا ويكونون فيه سواء .
يقول الزمخشري:إن هذا ما ينبغي ، فالآية تدل على ما ينبغي أي يجب أن تكون النعمة التي ينالونها في الرزق تكون ثمرتها عامة بينهم وبين ضعفائهم فلا يرفلون في النعيم ، والضعفاء ، والضعفاء في الشقاء المقيم ، يروى أن أبا ذر الغفاري عندما سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة للعبيد:"أطعموهم مما تطعمون واكسوهم مما تكسون"، كان لا يلبس رداء إلا ألبس عبده مثله ، ولا يلبس إزارا إلا ألبسه مثله{[1389]} وقوله تعالى:{ أفبنعمة الله يجحدون} الفاء مؤخرة عن تقديم أفبنعمة الله يجحدون ويكفرون ، فلا يشكرونها فيصروفها في مصارفها ، ويضنوا بها عن مواطنها .
هذا هو ظاهر الآية ، وقد قال بعض المفسرين:إن المعنى أنكم لا تسوون ما ملكت أيمانكم في الرزق الذي يرزقكم الله تعالى إياه فكيف عبيد الله والمخلوقات التي خلقها الله تعالى في العبادة ، إنكم تجحدون بهذا ويقولون:إن هذا مثل ضربه الله تعالى:{ ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم . . .( 28 )} [ الروم] وهذا تفسير ابن عباس:
وكان هناك تخريج ثالث ، وهو أن المعنى أن الله رازق الناس جميعا غنيهم وفقيرهم فلا يحسب الموالي أنهم يرزقون ، وأنا أرى أن الواضح البين هو الأول ، وهو المتسق مع نظام الغنى والفقر ، ويروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري:إن الرحمن فضل بعض الناس في الرزق ، بلاء يبتلى به كلا فيبتلى من بسط له كيف شكره ، وأداؤه في الحق الذي افترض عليه فيما رزقه وحوله .