تعداد نعم أخرى لله على الناس
ويستمر الحديث عن نعم الله على الإنسان ،كأسلوب من أساليب تعزيز الإيمان به ،باعتباره ولي النعمة وولي الوجود .
خلق الأزواج من النفس
{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} ،في ما يمثله الزواج من علاقةٍ روحيّة وجسديّة تبني لكل من الزوجين حياته المطمئنة الهادئة ،التي يسكن فيها إلى إنسان مثله ،يختلف عنه ببعض الخصائص التي تدخل في دائرة التنوع الذي يشكل سبباً لتجاذب الطرفين وتفاعلهما ،وعاملاً أساسياً من عوامل خلق الطمأنينة على المستوى الجسدي ،حيث تتحقق سكينة الجسد بالإشباع الجنسي ،وعلى المستوى النفسي ،حيث تقوم على التوادّ والتراحم الإنسانيين بما يمثله الزواج من علاقة المودّة والرحمة والوحدة الجسدية والروحية .
{وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً} ،وتتعدى نعمة الزواج الفرد إلى النوع ؛إذ إن عملية التناسل في العلاقة الزوجية تنتج بنين يشكلون امتداداً لوجود الإنسان الفرد بعد موته ،من خلال أولاده أولاً ،وأحفاده ثانياً ،وبذلك تحقق عملية التناسل حالة ذاتية وجدانية للإنسان الفرد ،تلبي له رغبته الذاتية ،وحالةً نوعية شاملة للإنسان النوع ،تحقق له الامتداد الإنساني في الوجود .
{وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ} ،التي تجعل من حياتكم حياةً طيبةً ،في كل ما تستطيبونه من طعامٍ وشراب وزينة ،مما يدخل في ضرورات حياتكم من جهةٍ ،أو مما يتصل بلذاتها وشهواتها من جهةٍ أخرى .
ولكن هذا الحديث لا يمثل مجرد كلامٍ عن الجانب المادي من هذه النعم ،بل هو حديث عن الجانب الإيحائي الذي يحويه اتصال النعمة بالله من معنى توحيدي يبعد الإنسان عن حالة الشرك ،على أساس أن التوحيد هو الحق ،وأن الشرك هو الباطل ،وأن الانسجام مع الحق يمثل الشكر العملي للنعمة ،وأن الانفصال عنه والارتباط بالباطل يمثل الكفر الواقعي بالنعمة .{أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ} ،في ما يؤمنون به من شركٍ في العقيدة وفي العبادة ،{وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} ،أي: ويكفرون بتوحيد الله ،وهو يمثل الكفر بنعمة الله ،بشكلٍ غير مباشرٍ .