قوله تعالى:{وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا} ( من ) ،ليست للتبعيض بل هي للجنس ؛أي وننزل من هذا الجنس الذي هو قرآن ما هو شفاء ؛فجميع القرآن شفاء للمؤمنين .
والقرآن شفاء للبشرية بما حواه من المعاني والأحكام والتصورات والعبر ؛فكل ذلك مزيل للشبهات والشكوك والعلل التي تنتاب العقول فتشينها شينا وتسكب فيها ألوانا من ضلالات الفكر الباطل ،والمعارف الكاذبة المفتراة التي تعلن الحرب على منهج الله في اجتراء لئيم ووقح ،فلا يروق لها بذلك إلا أن تكيد لدين الله كيدا .
إن القرآن شفاء لهذه العقول من كل ضلالات ومفاسدها وانحرافاتها ،والقرآن شفاء للبشرية من كل الأدران والأوضار التي تأتي على النفس فتسومها المرض والعطب وكل ألوان الزيغ والشذوذ ،وتلكم أمراض بغيضة وممضة ومختلفة تصيب النفس البشرية فتثير فيها ألوانا شتى من الأسقام كالقلق والكمد والاغتمام والهلع والإحساس المستديم بالضيق والكآبة .إلى غير ذلك من صور الأمراض النفسية التي تكابدها البشرية في كل العصور .
لكن القرآن بعقيدته الراسخة السمحة ،ومعانيه الكريمة الشفيفة وتشريعه الشامل المتكامل ،يبدد كل ألوان المرض بكل صوره وأشكاله ،سواء في ذلك ما أصاب الذهن أو الجهاز النفسي والروحي للإنسان .إن القرآن بمعانيه المعجزة الفذة شفاء للإنسان من كل هاتيك الأسقام والعلل التي تقضّ الأفراد والمجتمعات قضّاً والتي تسوم الإنسان الأوجاع والآلام .
وكذلك فإن القرآن رحمة للمؤمنين ؛لأنهم يتبعون أحكامه فيحلون حلاله ويحرمون حرامه ،ويهتدون بنوره الساطع المشعشع ،ويستلهمون من عقيدته ومعانيه الإيمان والهداية والتوفيق ،فيتجلى في طبائعهم وسماتهم وسلوكهم كل معالم الخير من حميد الخصال وعظيم الخلال وحسن الأعمال والأفعال .وبذلك تستقيم أحوال الفرد والجماعة فتنعم البشرية بنعيم الأمن والاستقرار والمودة والتعارف .وتترسخ في الدنيا ظواهر العدل والرحمة والتعاون والفضيلة .
قوله: ( ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) لا يزداد الكافرون بسماع القرآن إلا هلاكا فوق هلاكهم ؛لأنهم كلما سمعوا بشيء منه جديد كذبوا وجحدوا فازدادوا بذلك إيغالا في الخسران ،والتعس والرجس{[2733]} .