قوله: ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون(.
ذلك وصف آخر يميز المنافقون من غيرهم من الناس سواء كانوا مؤمنين أو كافرين ،إذا ما رجعوا إلى (شياطينهم (وهم رؤوس الكفر من أهل الكتاب والمشركين نفثوا أمامهم حقيقة ما تنطوي عليه قلوبهم المريضة من غش والتواء ومخادعة ،وهم عندئذ يبادرونهم بالقول (إنا معكم إنما نحن مستهزئون (أي نحن على ملكتم وطريقكم ،ولا تكن صدورهم للمسلمين غير الخديعة والاستهزاء .
والشياطين مفردها شيطان وهو مشتق من الفعل شطن ،ومعناه: بعد عن الحق والخير ،ومصدره شطون ويقال: تشيطن ،واسم الفاعل شاطن ،أي بعيد عن الخير والحق ،والشيطان من الإنس أو الجن ،هو الخبيث العاتي المتمرد وذلك لبعده عن الخير .
والشيطان صنفان من حيث الأصل أو الجنس ،وهو إما أن يكون من الجن فهو بذلك مستور عن أعين الناس ،لكونه ذا تركيبة أخرى لا يدركها بنو البشر ،والشيطان من هذا الصنف يوحي لأتباعه وأعوانه بطرقته التغريرية الموسوسة أن يجترحوا السيئات ،ويرتكبوا الخطايا ،أما الصنف الثاني: فهو من البشر وذلك صنف قد لا يقل في اقتداره على الإطغاء والغواية عن الأول ،فذلك صنف خبيث من الناس يملك من فساد الطبع وموات الضمير والرغبة اللحاحة في صنع الشر ما يمكنه من الإفساد والإغواء ،وما أكثر الشياطين من البشر الذين يوحون للناس بفعل المنكر ويزينون لهم أن يبادروا الذنوب وكل أنواع الحرام ،حتى إن الشياطين من البشر كثيرا ما يلجأون إلى الإغواء والتغرير عن طريق الإرهاب فيما يحمل الإنسان المغرور أو المفتون على اقتراف المحظورات والمفاسد .
ومن الحقائق الملموسة لكل ذي عقل ما يحيق بالبشرية دائما من أساليب التآمر والخداع ،وما يحاك لها في الظلام من صنوف الحيل والمخططات ،وذلك من أجل أن تساق هذه البشرية نحو الهاوية بكل ما في هذه العاقبة من ضروب الكوارث والمهالك ،النفسية منها الاقتصادية والاجتماعية .
إن هذه الحقائق التي نلمسها من خلال الكتب أو الصحافة أو وسائل النشر والإعلام بما يدفع الإنسان نحو الدمار الذاتي أو نحو الانمياع والتفسخ ،إن ذلك كله من كيد الشيطان الناموسي ،شيطان البشر الذي ينطلق في الأرض خلسة ،فينفث الشر والمنكر ،ويعيث بين الناس فسادا وتدميرا من أجل أن تستحيل البشرية الى ركام من المجتمعات الحائرة المضطربة ،المجتمعات التي يشينها فساد النفس وانهيار القيم وكل مقومات الإنسان الأصلية .