] وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوا ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئونَ[ إنهم يظهرون الإيمان ويعملون عمل المؤمنين في صلاتهم وصومهم وغير ذلك ،ليحصلوا على الثقة الاجتماعية التي ينفذون من خلالها إلى أهدافهم ،ثُمَّ يذهبون إلى جماعاتهم الشيطانية ،في الخلوات التي يعقدونها ،ليؤكدوا لهم مواقفهم الأساسية الثابتة ،وليبعدوا عن أنفسهم الشكوك التي قد تحدث من جراء سلوكهم مع المؤمنين ،وليبرروا سلوكهم ذلك بأنه كان استهزاءً بالمؤمنين ،واستغلالاً لبساطتهم وسذاجتهم ،التي تجعلهم يتقبلون ظواهر الأمور من دون أن ينفذوا إلى بواطنها ،ما يسهّل نجاح كلّ الحيل التي يدبرها لهم أعداؤهم .
وربما يقال: إنَّ خطابهم للذين آمنوا بالجملة الفعلية] ءَامَنَّا[ لإعلان المبدأ في دائرة الحدوث ،بينما كان خطابهم لشياطينهم بالجملة الاسميّة] إِنَّا مَعَكُمْ[ لإفادتها الثبات والاستمرار ،لتأكيد البقاء في الخطّ الفكري والعملي المتمثّل في دينهم في داخل مجتمعهم الكافر .
وقد روي عن ابن عباس ،أنَّ المراد بشياطينهم رؤساؤهم من الكفار وقيل: هم اليهود الذين أمروهم بالتكذيب ،وروي عن أبي جعفر الباقر ( ع ) أنهم كهّانهم[ 4] .
وقد نجد أمثال هذه النماذج في الكثيرين من الأشخاص الذين ينطلقون مع التيارات السياسية وغير السياسية في عملية ارتباط وانتماء ،ولكنَّهمفي الوقت نفسهيمثّلون أدوار الإيمان عندما يلتقون بالمؤمنين البسطاء ليخدعوهم ،ولينفذوا إلى حياتهم العامة والخاصة ،من أجل تحقيق الأهداف الشريرة التي لا تلتقي بمصلحة الإيمان والمؤمنين من قريب أو من بعيد .فإذا ذهبوا إلى مجالسهم الخاصة ،أطلقوا الضحكات الفاجرة ،وأظهروا السخرية والاستهزاء بالمؤمنين ،وبعباداتهم ،وبأقوالهم ،بمختلف الأساليب التي تثير الاستهزاء والاشمئزاز .
وهكذا يقدّم لنا القرآن هذه النماذج الحيّة ،التي كانت تعيش في العصور الأولى للإسلام ،ليبعث فينا روح الوعي للمجتمعات التي نعايشها ،وليفتح أعيننا على هذه النماذج في حركة المجتمع ،لئلا ننطلق في التعامل مع الآخرين بسذاجة ،بل نحاول اعتماد أسلوب الحذر ،الذي لا يحكم على النّاس بغير علم ،ولكنَّه لا يستسلم إليهم بدون أساس للثقة والاطمئنان ،من دون فرق في ذلك بين أساليب التعامل والقيادة والدخول في قلب المجتمع .فلا بّدَّ لنا ،في ذلك كلّه ،من محاولة فهم خلفيات هؤلاء الأشخاص الذين يحتلون مركزاً مميزاً في التعامل والقيادة والدخول في خصوصيات حياتنا الاجتماعية ،واكتشاف منطلقاتهم الفكرية والسياسية .
إننا لا نريد أن نتحوّل إلى أشخاص معقّدين ضدّ الأفراد الذين نعيش معهم ،ولكنَّنا نريد أن نجعل من أنفسنا الأمّة الواعية التي تفهم الواقع فهماً جيداً لنحدّد موقفنا على أساس ذلك ،ما يجعلنا لا ندخل في طريق إلاَّ بعد أن نكتشف بداياته ونهاياته ،ولا نعطي قيادنا لأحد ،ولا نمنحه أسرارناإذا كان لنا أسرارإلاَّ بعد أن نحصل من سلوكه الداخلي على ما يبرر هذه الثقة العملية ،لتظلَّ أوضاعنا منطلقة من قاعدة صلبة لا مجال فيها للانحراف والاستغلال والاهتزاز .