{ ( 14 ) وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا:إنا معكم ، إنما نحن مستهزئون ( 15 ) الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون ( 16 ) أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين}
الآيات التي تقدمت في وصف هذا الصنف من الناس الذي قلنا إنه يوجد في كل أمة وملة وفي كل عصر ، كانت عامة تصور حال أفراده في كل زمان ومكان وكان أسلوبها ظاهرا في العموم كقوله{ يخادعون} الخ ، وقوله:وإذا قيل لهم كذا – قالوا كيت وكيت .
وأما قوله تعالى:{ وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا} الآية ، فهو وصف قد يختص ببعض أفراد هذا الصنف ممن كان في عصر التنزيل ، جاء بعد الأوصاف العامة ، وحكى بصيغة الماضي ، ليكون كالتصريح بتوبيخ تلك الفئة من هذا الصنف ، التي بلغت من التهتك في النفاق ، والفساد في الأخلاق ؛ أن تظهر بوجهين ، وتتكلم بلسانين ، وما بلغ كل أفراد الصنف هذا المبلغ من الفساد والضعف .
ولهذه الخصوصية في الآية قال بعض الواهمين:إن جميع تلك الآيات في منافقي ذلك العصر .وقد مر تفنيده فلا نعيده .على أن هذه الفئة أيضا توجد في كل عصر وزمان ، يكون فيه لأهل الحق قوة وسلطان ، والحكاية عنها بصيغة الماضي الواقع لا تنافي ذلك .لأن"إذا "تدل على المستقبل ، فمعنى الفعل مستقبل ، وإنما اختيرت صيغة الماضي لتوبيخ أولئك الأفراد وإيذانهم بأن بضاعة النفاق والمداجاة ، لا تروج في سوق المؤمنين لأنها مزجاة ، وأن استهزائهم مردود إليهم ، ووباله عائد عليهم .
كان أولئك النفر يدهنون في دينهم ، فإذا لقوا المؤمنين قالوا آمنا بما أنتم به مؤمنون ،{ وإذا خلوا إلى شياطينهم} من دعاة الفتنة وعمال الإفساد وأنصار الباطل ، الذين يصدون عن سبيل الحق بما يقيمون أمامه من عقبات الوساوس والأوهام ، وما يلقون فيه من أشواك المعايب وتضاريس المذام ، وقال مفسرنا ( الجلال ) إنهم الرؤساء ، والصواب ما قلنا ، وكم من رئيس مغمول ، لما في نفسه من الضعف والخمول ، لا ينصر اعتقاده ، وإن كان معترفا بأن فيه رشاده ، وفي عزته عزه وإسعاده .وكم من مرءوس شديد العزيمة ؛ قوى الشكيمة ، يكون له في نصر ملته ، والمدافعة عن أمته ، ما يعجز عنه الرؤساء ، ولا يأتي على أيدي الأمراء .
وللذبابة في الجرح الممد يد ***تنال ما قصرت عنه يد الأسد .
{ قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون} أي إنا معكم على عقيدتكم وعملكم ، وإنما نستهزئ بالمسلمين ودينهم ،