قوله تعالى: ( ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم )
قيل إن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق إذ حلف ألا يأكل مع الأضياف .والمعنى: لا تجعلوا الحلف بالله مانعا لكم من عمل البر والطاعة والإصلاح بين الناس ،بل عليكم أن تكفّروا عن أيمانكم ثم تفعلوا الخير من بر وطاعة وإصلاح .فإنه خير للمؤمن أن يكفّر عن يمينه ،ثم يفعل الخير بدلا من امتناعه عن فعل الخير ؛لأنه حلف ألا يأتيه .وفي هذا روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله ( ص ) قال:"إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها "أي آتي العمل الذي حلفت ألا آتيه ،ثم أقوم بالتكفير تحلّة لما حلفت من يمين .
وروى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله ( ص ) قال:"من حلف على يمين ،فرأى غيرها خيرا منها ،فليكفر عن يمينه ،وليفعل الذي هو خير ".وروى أبو دود عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله ( ص ) قال:"لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم ،ولا في معصية الله ولا في قطيعة رحم ،ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها ،فليدعها وليأت الذي هو خير ،فإن تركها كفارتها ".
وقوله في الآية: ( عرضة ) أي نصبا .نقول: فلان عرضة للناس ،أي نصبا لهم: بمعنى أنه معترض لهم فلا يزالون يقعون فيه .جعلت فلانا عرضة لكذا أي جعلته نصبا له أو نصبته له .وقوله في الآية: ( أن تبروا وتتقوا وتصلحوا ...) أي كيلا تفعلوا البر والطاعة والإصلاح كصلة الرحم وغيرها .وعلى هذا فالمقصود هو ألا تجعلوا الله نصبا لأيمانكم بأن تكثروا من الحلف باسمه ؛لئلا ( تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس ) أو لا تجعلوا أيمانكم بالله مانعة لكم من البر وصلة الرحم والإصلاح بين الناس إذا حلفتم على ترك ذلك .وقيل: ألا تجعلوا الله معرضا لأيمانكم فتكون هذه الإيمان حاجزا لما حلفتم عليه ومانعا منه ،بل افعلوا ما حلفتم عليه وكفروا عن يمينكم .
قوله: ( والله سميع عليم ) الله جل جلاله يسمع ما يقوله العباد وما يدور على ألسنتهم من كلام كالأيمان وغيرها ،وهو سبحانه عليم بما تخفيه صدروهم من نوايا ومكنونات{[304]} .