وقوله: ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ) اللغو مصدر وفعله لغا يلغو ،أي قال باطلا واللغو ،اختلاط الكلام بما لا ينفع{[305]} .
واللغو من الأيمان ما يأتي خلال الكلام أو المحاورة أو الجدل كقوله: لا والله ،بلى والله ،وذلك دون قصد لليمين أو الحلف .وقد روي عن السيدة عائشة في هذا الصدد قالت: أيمان اللغو ما كانت في المرء والهزل والحديث الذي لا ينعقد عليه القلب .
وورد في البخاري عن السيدة عائشة أيضا قالت: نزل قوله تعالى: ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ) في قول الرجل: لا والله ،وبلى والله .
وأما الأيمان فهي جمع مفرده يمين وهي الحلف ،وقد سمي الحلف يمينا ؛لأنهم كانوا إذا تحالفوا ضرب كل واحد منهم يمينه على يمين صاحبه فسمي الحلف يمينا مجازا .والمعنى المراد من الآية أن الله جلت قدرته لا يعاقب الناس فيما يحلفون من أيمان لاغية لا ينعقد عليها قلب الحالف ،وإنما ينطق بها لسانه على سبيل العادة لا القصد والتأكيد .
وقوله: ( ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ) الله سبحانه وتعالى يعاقب الناس ،ويلزمهم بما حلفوا من أيمان على أشياء وهو يعلمون أنهم كاذبون .فقوله: ( كسبت ) أي تعمدت ،والمراد: الحلف على كذب وباطل أي يحلف الرجل على شيء وهو يعلم أنه كاذب .فذاك الذي يؤاخذ به .
وقوله: ( والله غفور حليم ) هذا التعقيب الكريم جاء مناسبا لعدم مؤاخذة الله للعباد على ما تنطق به ألسنتهم دائما من اللغو في الإيمان .وهي أيمان لا تكاد تبرح الألسن ؛لكثرة ما تدور وتتردد في كل حين وفي كل مجال ومناسبة ،في التعامل والتمازح والجد والسمر وغير ذلك من مجالات .ولو كانت هذه الأيمان تحتمل مؤاخذة لكان الأمر بالنسبة للحالفين عسيرا وخطيرا ،لكن الله بواسع مغفرته وحلمه قد تجاوز للعباد عن تلك الأيمان .