)لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) ( البقرة:225 )
التفسير:
قوله تعالى:{لا يؤاخذكم الله باللغو في إيمانكم}؛«يؤاخذ » لها معنيان ؛أحدهما: المؤاخذة بالعقوبة ؛والثاني: المؤاخذة بإلزام الكفارة ؛و «اللغو » في اللغة الشيء الساقط ؛والمراد به هنا اليمين التي لا يقصدها الحالف ،كقول: «لا واللَّهِ » ؛«بلى والله » في عرض حديثه ؛ويبين ذلك قوله تعالى في سورة المائدة:{لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} [ المائدة: 89] أي نويتم عقده ؛و «الأيمان » جمع يمين ؛وهو القسم ؛والقسم: تأكيد الشيء بذكر معظَّم بصيغة مخصوصة - هي الواو ،والباء ،والتاء - ؛مثل: «والله » ،و«بالله » ،و«تالله » .
قوله تعالى:{ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} ،يفسره قوله تعالى:{بما عقدتم الأيمان} [ المائدة: 89] .
قوله تعالى:{والله غفور حليم}؛لما ذكر اللغو من اليمين ،والمنعقد منهما ختم الآية بهذين الاسمين الكريمين ؛وسبق معنى «الغفور »؛و «الحليم » هو الذي يؤخر العقوبة عن مستحقها .
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: عدم مؤاخذة العبد بما لم يقصده في لفظه ؛وهذه الفائدة قاعدة عظيمة يترتب عليها مسائل كثيرة ؛منها لو جرى لفظ الطلاق على لسانه بغير قصد لم تطلق امرأته ؛ولو طلق في حال غضب شديد لم تطلق امرأته ؛ولو قال كفراً في حال فرح شديد لم يكفر ،كما في حديث: «للَّهُ أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم ...»{[390]} الحديث ؛ولو أكره على كلمة الكفر فقالها وقلبه مطمئن بالإيمان لم يكفر ؛وأمثلتها كثيرة .
2 - ومن فوائد الآية: أن المدار على ما في القلوب ؛لقوله تعالى:{ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} .
3 - ومنها: أن للقلوب كسباً ،كما للجوارح ؛فأما ما حدَّث به الإنسان نفسه دون اطمئنان إليه فإنه لا يؤاخذ به ؛لأنه ليس بعمل ؛ولهذا جاء في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم »{[391]} .
4 - ومنها: إثبات هذين الاسمين الكريمين ؛وهما «الغفور » ،و «الحليم »؛وما تضمناه من وصف ،وحكم .
5 - ومنها: الإشارة إلى أن من مغفرة الله وحلمه أن أسقط المؤاخذة باللغو في الأيمان .
6 - ومنها: أن لا نيأس من رحمة الله ؛لأنه غفور ؛وأن لا نأمن مكر الله ؛لأنه حليم ؛فيكون العبد سائراً إلى الله بين الرجاء والخوف .