وقوله:( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم أي:لا يعاقبكم ولا يلزمكم بما صدر منكم من الأيمان اللاغية ، وهي التي لا يقصدها الحالف ، بل تجري على لسانه عادة من غير تعقيد ولا تأكيد ، كما ثبت في الصحيحين من حديث الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من حلف فقال في حلفه:واللات والعزى ، فليقل:لا إله إلا الله "فهذا قاله لقوم حديثي عهد بجاهلية ، قد أسلموا وألسنتهم قد ألفت ما كانت عليه من الحلف باللات من غير قصد ، فأمروا أن يتلفظوا بكلمة الإخلاص ، كما تلفظوا بتلك الكلمة من غير قصد ، لتكون هذه بهذه ; ولهذا قال تعالى:( ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم كما قال في الآية الأخرى في المائدة:( ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ) [ المائدة:89] .
قال أبو داود:باب لغو اليمين:حدثنا حميد بن مسعدة الشامي حدثنا حسان يعني ابن إبراهيم حدثنا إبراهيم يعني الصائغ عن عطاء:في اللغو في اليمين ، قال:قالت عائشة:إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"هو كلام الرجل في بيته:كلا والله وبلى والله ".
ثم قال أبو داود:رواه داود بن أبي الفرات ، عن إبراهيم الصائغ ، عن عطاء ، عن عائشة موقوفا . ورواه الزهري ، وعبد الملك ، ومالك بن مغول ، كلهم عن عطاء ، عن عائشة ، موقوفا أيضا .
قلت:وكذا رواه ابن جريج ، وابن أبي ليلى ، عن عطاء ، عن عائشة ، موقوفا .
ورواه ابن جرير ، عن هناد ، عن وكيع ، وعبدة ، وأبي معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة في قوله:( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ) [ المائدة:89] قالت:لا والله ، بلى والله .
ثم رواه عن محمد بن حميد ، عن سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن هشام ، عن أبيه ، عنها . وبه ، عن ابن إسحاق ، عن الزهري ، عن القاسم ، عنها . وبه ، عن سلمة عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، عنها .
وقال عبد الرزاق:أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة عن عائشة في قوله:( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قالت:هم القوم يتدارؤون في الأمر ، فيقول هذا:لا والله ، وبلى والله ، وكلا والله يتدارؤون في الأمر:لا تعقد عليه قلوبهم .
وقد قال ابن أبي حاتم:أخبرنا هارون بن إسحاق الهمداني ، حدثنا عبدة يعني ابن سليمان عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة في قول الله:( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قالت:هو قول الرجل:لا والله ، وبلى والله .
وحدثنا أبي ، حدثنا أبو صالح كاتب الليث ، حدثني ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن عروة قال:كانت عائشة تقول:إنما اللغو في المزاحة والهزل ، وهو قول الرجل:لا والله ، وبلى والله . فذاك لا كفارة فيه ، إنما الكفارة فيما عقد عليه قلبه أن يفعله ، ثم لا يفعله .
ثم قال ابن أبي حاتم:وروي عن ابن عمر ، وابن عباس في أحد أقواله ، والشعبي ، وعكرمة في أحد قوليه ، وعطاء ، والقاسم بن محمد ، ومجاهد في أحد قوليه ، وعروة بن الزبير ، وأبي صالح ، والضحاك في أحد قوليه ، وأبي قلابة ، والزهري ، نحو ذلك .
الوجه الثاني:قرئ على يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني الثقة ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة:أنها كانت تتأول هذه الآية يعني قوله:( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم وتقول:هو الشيء يحلف عليه أحدكم ، لا يريد منه إلا الصدق ، فيكون على غير ما حلف عليه .
ثم قال:وروي عن أبي هريرة ، وابن عباس في أحد قوليه وسليمان بن يسار ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد في أحد قوليه وإبراهيم النخعي في أحد قوليه والحسن ، وزرارة بن أوفى ، وأبي مالك ، وعطاء الخراساني ، وبكر بن عبد الله ، وأحد قولي عكرمة ، وحبيب بن أبي ثابت ، والسدي ، ومكحول ، ومقاتل ، وطاوس ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، ويحيى بن سعيد ، وربيعة ، نحو ذلك .
وقال ابن جرير:حدثنا محمد بن موسى الحرشي حدثنا عبد الله بن ميمون المرائي ، حدثنا عوف الأعرابي عن الحسن بن أبي الحسن ، قال:مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم ينتضلون يعني:يرمون ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه ، فرمى رجل من القوم فقال:أصبت والله وأخطأت والله . فقال الذي مع النبي صلى الله عليه وسلم:حنث الرجل يا رسول الله . قال:"كلا أيمان الرماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة "هذا مرسل حسن عن الحسن .
وقال ابن أبي حاتم:وروي عن عائشة القولان جميعا .
حدثنا عصام بن رواد ، أخبرنا آدم ، أخبرنا شيبان ، عن جابر ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن عائشة قالت:هو قوله:لا والله ، وبلى والله ، وهو يرى أنه صادق ، ولا يكون كذلك .
أقوال أخر:قال عبد الرزاق ، عن هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم:هو الرجل يحلف على الشيء ثم ينساه .
وقال زيد بن أسلم:هو قول الرجل:أعمى الله بصري إن لم أفعل كذا وكذا ، أخرجني الله من مالي إن لم آتك غدا ، فهو هذا .
قال ابن أبي حاتم:وحدثنا علي بن الحسين ، حدثنا مسدد ، حدثنا خالد ، أخبرنا عطاء ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال:لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان .
وأخبرني أبي ، أخبرنا أبو الجماهر ، حدثنا سعيد بن بشير ، حدثني أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال:لغو اليمين أن تحرم ما أحل الله لك ، فذلك ما ليس عليك فيه كفارة ، وكذا روي عن سعيد بن جبير .
وقال أبو داود "باب اليمين في الغضب ":حدثنا محمد بن المنهال ، أنبأنا يزيد بن زريع ، حدثنا حبيب المعلم ، عن عمرو بن شعيب ، عن سعيد بن المسيب:أن أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث ، فسأل أحدهما صاحبه القسمة فقال:إن عدت تسألني عن القسمة ، فكل مالي في رتاج الكعبة . فقال له عمر:إن الكعبة غنية عن مالك ، كفر عن يمينك وكلم أخاك ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لا يمين عليك ، ولا نذر في معصية الرب عز وجل ، ولا في قطيعة الرحم ، ولا فيما لا تملك ".
وقوله:( ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد:هو أن يحلف على الشيء وهو يعلم أنه كاذب . قال مجاهد وغيره:وهي كقوله:( ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان الآية [ المائدة:89]
والله غفور حليم أي:غفور لعباده ، حليم عليهم .