وقوله: (ولا تلبسوا الحق بالباطل (تلبسوا من اللبس وهو الخلط ،واللبس بالضم معناه الإشكال نقول: التبس الأمر أي اختلط وأشكل حتى عمك فيه وجه الحقيقة ،والآية في أهل الكتاب ،اليهود خاصة ،فقد نهاهم الله عن فعلتهم المكشوفة – وهي لبس الحق بالباطل – وذلك يعني – كما ذهب إمام المفسرين عبد الله بن عباس – أنه لا تخلطوا ما عندكم من الحق في الكتاب بالباطل وهو التغيير والتبديل أي أن التوراة حال نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم كانت يختلط فيها الحق بالباطل ،كان من جملة الحق ذكر النبي محمد صراحة ،أما الباطل فمعناه التغيير والتبديل اللذان اصطنعهما اليهود ظلما وزرا .
وقوله: (وتكتموا الحق وأنتم تعلمون (وجه الإعراب في تكتموا يحتمل طريقتين: إحداهما أن يكون الفعل معطوفا على المجزوم الواقع في النهي قبله ،وثانيهما: أن يكون الفعل منصوبا بأن المضمرة ،وعلى ذلك فإنه بناء على القول الأول ينهى الله سبحانه عن كتمان الحق وهو خبر النبي الكريم الذي ورد اسمه في التوراة والإنجيل من قبل ،فقد كتمه اليهود وأخفوا ذكره كأن لم يسمعوا بخبره ،أبدا مع أنهم يعلمون أنه نبي مرسل قد أوحى إليه ربه ليكون للناس بشيرا ونذيرا ،ويعلمون كذلك أنه مذكور في كتبهم ،وأنهم في أنفسهم كاذبون فجرة ،والواو في وأنتم للحال والجملة الاسمية المؤلفة من المبتدأ والخبر في محل نصب حال .