/م40
ثم قال{ ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون} بينت هذه الآية مسلكهم في الغواية والإغواء في سياق النهي عنه .فقد جاء في كتبهم التحذير من أنبياء كذبة فيهم ويعلمون العجائب ، وجاء فيها أيضا أنه تعالى يبعث فيهم نبيا من ولد إسماعيل يقيم به أمة ، وأنه يكون من ولد الجارية ( هاجر ) وبين علاماته بما لا لبس فيه ولا اشتباه ، ولكن الأحبار والرؤساء ، كانوا يلبسون على العامة الحق بالباطل فيوهمونهم أن النبي صلى الله عليه وسلم من الأنبياء الذين نعتتهم الكتب بالكذبة ( حاشاه ) ويكتمون ما يعرفون من نعوته التي لا تنطبق على سواه ، وما يعلمون من صفات الأنبياء الصادقين وما يدعون إليه ، وكله ظاهر فيه عليه الصلاة والسلام بأكمل المظاهر .
ومن اللبس أيضا ما يفتريه الرؤساء والأحبار فيكون صادا لهم عن سبيل الله وعن الإيمان بنبيه عن ضلال وجهل وهو لبس أصول الدين بالمحدثات والتقاليد التي زادوها على الكتب المنزلة بضروب من التأويل والاستنباط من كلام بعض المتقدمين وأفعالهم ، فكانوا يحكمون هذه الزيادات في الدين حتى في كتب الأنبياء ويعتذرون بأن الأقدمين أعلم بكلام الأنبياء وأشد إتباعا لهم في فهم الواسطة بينهم وبين الأنبياء ؛ وعلى من بعدهم الأخذ بما يقولون دون ما يقول الأنبياء الذين يصعب عليهم فهم كلامهم بزعمهم ، ولكن الله لم يقبل هذا العذر منهم فأسند إليهم ذلك اللبس وكتمان الحق الموجود في التوراة إلى اليوم ، وكذلك لا يقبل الله ممن بعدهم ترك كتابه لكلام الرؤساء بحجة أنهم أكثر علما وفهما ، فكل ما يعلم من كتاب الله تعالى يجب العمل به ، وإنما يسأل الإنسان أهل الفهم عما لا يعلم منه ليعلم فيعمل .