قوله: (وءامنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم (يأمر الله بني إسرائيل أن يؤمنوا بالقرآن الذي أنزل وفيه تصديق لما معهم من التوراة والإنجيل وما فيهما من إيراد لذكر النبي محمد صلى الله عليه وسلم ،في صراحة جلية ،لولا أنهم كتموا وبدلوا وافتروا افتراء عظيما .
قوله: (ولا تكونوا أول كافر به (لعل أصوب تفسير لأول كافر بالقرآن أو النبي هو القول بأن المقصود بذلك أنهم أول من كفر من جنس أهل الكتاب بعدما سمعوا بمقدم النبي وما أنزل عليه من قرآن إذ كانوا يقرأون ذلك في كتبهم ،ولا يستقيم المعنى إذا ما أخذ بظاهر العبارة التي تبين أنهم أول الناس كفرا ،ذلك أنهم كانوا مسبوقين في الكفر بمشركي العرب .
قوله: (ولا تشتروا بئاياتي ثمنا قليلا(من حيث خصوص السبب فقد نزلت في بني إسرائيل الذين كانوا يكتمون خبر النبي في التوراة فقد جاء اسمه عليه فيها مكتوبا جليا ،لكنهم أخفوا ذلك وأنكروه مقابل ما اشتروه من حطام الدنيا وما رضوه لأنفسهم من فسق عن أمر الله وتمرد عليه .
لكن عموم الآية أولى بالاعتبار وهو خطاب للناس عموما ألا يشتروا بأوامر الله ونواهيه أو بدينه وشرعه ثمنا قليلا ،والثمن القليل يقصد منه الدنيا وما فيها من طيبات ومعايش وتلك هي صورة من صور البيع الذي يقوم على المعاوضة حيث الخسران الفادح الذي يتفاوت فيه العوضان تفاوتا ليس له نظير ،مثلما يكون الفرقان بين الصدق والكذب ،ولا محالة بعد ذلك أن يكون الثمن المقبوض بدلا من الدين والشرع قليلا ،فهو قليل حقا ،وهو هين بالغ الهوان حقا .
أما في أخذ الأجرة على تعليم القرآن وما استنبط منه من معان ودراسات فهو جائز رغم ما ورد في ذلك من أقوال مخالفة ،ونستند في الجواز لقول النبي صلى الله عليه وسلم أنه سبحانه يحذرهم من هذه المخالفات الكبيرة ،لاحتوائها على الجحد والغمط .