{ وآمنوا بما أنزلت مصدّقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون 41} .
{ وآمنوا بما أنزلت} أي من القرآن{ مصدّقا لما معكم} أي موافقا بالتوحيد ،وصفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ،وبعض الشرائع ،لما معكم من الكتابكما في ( التنوير )قال ابن جرير:أمرهم بالتصديق بالقرآن ،وأخبرهم أن تصديقهم بالقرآن تصديقا منهم للتوراة ،لأن الذي في القرآن من الأمر بالإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه وإتباعه ،نظير الذي من ذلك في الإنجيل والتوراة .ففي تصديقهم بما أنزل على محمد ،تصديق منهم لما معهم من التوراة .وفي تكذيبهم به تكذيب منهم لما معهم من التوراة .انتهى .
وتقييد المنزل بكونه مصدقا لما معهم ،لتأكيد وجوب الامتثال بالأمر ،فإن إيمانهم بما معهم مما يقتضي الإيمان بما يصدقه قطعا .
تنبيه:
كثيرا ما يستدل مجادلة أهل الكتاب على عدم تحريف كتبهم بهذه الآية وأمثالها ،كآية:{ ولما جاءهم رسول من عند الله مصدّق لما معهم}{[572]} ،وآية:{ ولكن / تصديق الذي بين يديه}{[573]} وغيرهما .مع أنه ثبت بالبراهين القاطعة ذهاب قدر كبير من كتبهم ،واختلاط حقها بباطلها فيما بقي ،كما صنفت في ذلك مصنفات عدة .وقد رُدَّ استدلالهم بهذه الآية وأمثالها على ما ادعوه ،بأن معنى كون القرآن مصدقا لما معهم ،ما ذكرناه قبل في تأويلها .وحاصله أن ما أنزل عليه صلى الله عليه وسلم هو طبق ما عندهم من حقية نبوته ،وصحة البشائر عنه ،كما قال تعالى:{ ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم} أي أنه عليه السلام جاء طبق ما عندهم عنه في التوراة والإنجيل ،بمعنى أن أحواله جميعا توافق البشائر{ ولا تكونوا أول كافر به} يعني من جنسكم أهل الكتاب ،بعد سماعكم بمبعثه .فالأولية نسبية ،فإن يهود المدينة أول بني إسرائيل خوطبوا بالقرآن ،أو هو تعريض بأنه كان يجب أن يكونوا أول من يؤمن به لمعرفتهم به وبصفته ،ولأنهم كانوا المبشرين بزمان من أوحى إليه ،والمستفتحين على الذين كفروا به ،وكانوا يعدون أتباعه أول الناس كلهم ،فلما بعث كان أمرهم على العكس ،لقوله:{ فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به} .
{ ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا} أي لا تعتاضوا عن الإيمان بآياتي وتصديق رسولي ،بالدنيا وشهواتها ،فإنها قليلة فانية ،فالاشتراء استعارة للاستبدال .{ وإياي فاتقون} بالإيمان وإتباع الحق ،والإعراض عن حطام الدنيا .