] وَءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ[ آمنوا بما أنزلت على محمَّد ( ص ) في رسالته وفي قرآنه ،الذي يصدق ما معكم من التوراة ،لأنَّ الأنبياء لا يأتون ليكذّبوا مَنْ قبلهم ،بل ليصدِّقوه وليكملوا ما نقص بفعل تقدّم الحياة وتطوّرها وحاجتها إلى الأشياء الجديدة .] وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ[،لأنَّ الكفر به لا ينسجم مع معرفتكم بصحة دعوته ورسالته ،من خلال البراهين التي تملكونها فيما بين أيديكم من الدلائل والبراهين .
وقد يسأل سائل: كيف يقول اللّه سبحانه:] وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ[،مع أنهم ليسوا أول الكفرة به ،لأنَّ مشركي قريش قد سبقوهم إلى الكفر والإنكار ؟
والجواب: إنَّ من الممكن ورود هذا التعبير على سبيل المبالغة لتأكيد ضرورة الإيمان بالقرآن قبل الآخرين ،وربما كان الأساس في ذلك ،أنَّ المشركين لا يملكون القوّة الفكرية المؤثرة في المجال العملي للدعوة الإسلامية ،بالمستوى الذي يملكه الكتابيون من التأثير ،ما يجعل لهم أهمية بالغة بالنسبة إلى غيرهم ،حتى أنَّ كفر غيرهم ممّن سبقهم إلى الكفر بمنزلة العدم لقلة أهميته .
] وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً[؛الشراء هنا بمعنى البيع ،كقوله تعالى:] وَمِنَ النّاس مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللّه وَاللّه رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ[ [ البقرة:207]] وَلاَ تَشْتَرُواْ[ وذلك بأن لا تتركوا الآيات الحقّة في مقابل ما تحصلون عليه من الآخرين من امتيازات مالية أو معنوية ،فإنَّ هذا الثمن الذي تأخذونه في مقابل محاربتكم للإسلام لا يمثّل شيئاً أمام المكاسب الدنيوية والأخروية التي تحصلون عليها بالسير مع آيات اللّه وشرائعه .] وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ[ أي لا تخافوا غيري ،لأنه لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً ،بل اتقون في ما تفعلون وفي ما تتركون ،لأني القوّة الوحيدة التي تملك مصير الإنسان في دنياه وفي آخرته .والتقوى ليست هي الخوف ،كحالة طارئة تعيش في مشاعر الإنسان الداخلية ،بل هي ملكة في وجدانه وضميره ،توجهه نحو الانضباط أمام أوامر اللّه ونواهيه ؛فإذا انفتح له باب من الحرام لم يدخل فيه ،وإذا انفتحت له أبواب الطاعة سار إليها بإخلاص وإيمان .